الاستفتاءات

وفق فتاوى آية الله العظمى

السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله الوارف)

السؤال: ما هو موقف الإسلام من الدخول إلى البلدان غير الإسلامية لغرض التبليغ؟

الجواب: لا يحرم الدخول إلى البلاد غير الإسلامية دائماً، فقد صورت لنا بعض الروايات ثواب الداخل إليها بما يتمناه كل مسلم، يقول حماد السندي قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد(عليهما السلام): (إني أدخل إلى بلاد الشرك، وأن من عندنا ليقولون إن متّ ثمّ [هناك] حشرت معهم، قال لي: يا حماد إذا كنت ثمّ تذكر أمرنا وتدعو إليه، قال: قلت: نعم، قال: فإذا كنت في هذه المدن مدن الإسلام تذكر أمرنا وتدعو إليه؟ قلت: لا. فقال (عليه السلام) لي: إنك إن متّ ثمّ [هناك] تحشر أمة وحدك ويسعى نورك بين يديك).

السؤال: متى يجوز سفر المؤمن إلى البلدان غير الإسلامية؟ ومتى يحرم؟

الجواب: يستحسن سفر المؤمن إلى البلدان غير الإسلامية لغرض نشر الدين وأحكامه، والتبليغ بها إذا أمن على دينه ودين أبنائه الصغار من النقصان، قال النبي محمد(صلى الله عليه وآله)للإمام علي(عليه السلام): (لئن يهدي الله بك عبداً من عباده خير لك مما طلعت عليه الشمس من مشارقها إلى مغاربها)، وعن النبي(صلى الله عليه وآله) أيضاً أن رجلاً قال له أوصني فقال: (أوصيك أن لا تشرك بالله شيئاً... وادع الناس إلى الإسلام، واعلم أن لك بكل من أجابك عتق رقبة من ولد يعقوب).

ويجوز سفر المؤمن إلى البلدان غير الإسلامية، إذا جزم أو اطمأن بأن سفره إليها لا يؤثر سلباً على دينه، ودين من ينتمي إليه، ويجوز للمسلم كذلك أن يقيم في البلدان غير الإسلامية إذا لم تشكّل عائقاً عن قيامه بالتزاماته الشرعية بالنسبة إلى نفسه وعائلته حاضراً ومستقبلاً.

كما ويحرم السفر إلى البلدان غير الإسلامية أينما كانت في شرق الأرض وغربها، إذا استوجب ذلك السفر نقصاناً في دين المسلم، سواء أكان الغرض من ذلك السفر السياحة أم التجارة أم الدراسة أم الإقامة المؤقتة أم السكنى الدائمة أم غير ذلك من الأسباب.

السؤال: ما حكم سفر الزوجة والأولاد البالغين مع أبيهم؟

الجواب: إذا تأكدت الزوجة وجزمت بأن سفرها مع زوجها يستلزم نقصاناً في دينها حرم عليها السفر معه، وإذا تأكد الأولاد البالغون بنين أو بنات بأن سفرهم مع أبيهم أو أمهم أو أصدقائهم مثلا يستلزم نقصاناً في دينهم حرم عليهم السفر معهم. يقصد الفقهاء بـ (نقص الدين): إما فعل الحرام باقتراف الذنوب الصغائر أو الكبائر كشرب الخمر أو الزنا أو أكل الميتة أو شرب النجس أو غيرها من المحرمات الأخرى، وإما ترك الواجب كترك الصلاة أو الصوم أو الحج أو غيرها من الواجبات الأخرى.

السؤال: ما حكم المهاجر المضطر؟

الجواب: إذا حكمت الضرورة على المسلم أن يهاجر إلى البلاد غير الإسلامية مع علمه بأن تلك الهجرة تستوجب نقصاناً في دينه، كما لو سافر لإنقاذ نفسه من الموت المحتّم أو غير ذلك من الأمور المهمة، جاز له السفر حينئذ بالقدر الذي يرفع الضرورة دون ما يزيد عليها.

السؤال: متى تجب على المهاجر العودة للبلدان الإسلامية؟

الجواب: يجب على المهاجر المسلم المتوطن في البلاد غير الإسلامية، العودة إلى البلدان الإسلامية إذا علم أن بقاءه بها يؤدي إلى نقصان دينه أو دين أولاده الصغار.

ويتحقق ذلك النقصان بترك الواجبات، أو فعل المحرمات، شرط أن لا تؤدي تلك العودة إلى الموت ولا توقعه في حرج ولا ضرورة توجب رفع التكليف، كتلك الضرورة التي تدعوه إلى أكل الميتة خوفاً على نفسه من الموت مثلاً.

السؤال: ما معنى سفر المعصية وماذا يترتب عليه؟

الجواب: إذا حرم على المسلم السفر عُدّ سفره سفر معصية، فيجب عليه حينئذ الإتمام في الصلاة الرباعية، والصوم في شهر رمضان، ولا يحق له أن يقصر في صلاته ولا أن يفطر في صيامه ما دام عاصياً.

السؤال: ما معنى التعرب بعد الهجرة الذي هو من الذنوب الكبيرة؟

الجواب: قيل إنه ينطبق في هذا الزمان على الإقامة في البلاد التي ينقص بها الدين، والمقصود هو أن ينتقل المكلف من بلد يتمكن فيه من تعلم ما يلزمه من المعارف الدينية والأحكام الشرعية ويستطيع فيه على أداء ما وجب عليه في الشريعة المقدسة وترك ما حرم عليه فيها، إلى بلد لا يستطيع فيه على ذلك كلاً أو بعضاً.

السؤال: يشعر الساكن في أوروبا وأمريكا وأضرابهما بغربته عن أجوائه الدينية التي نشأ عليها وتربى فيها، فلا صوت القرآن يسمع، ولا صوت الأذان يعلو، ولا الزيارة للمشاهد المقدسة وأجوائها الروحية موجودة، فهل يعدُّ تركه لأجوائه الإسلامية في بلده وما يصاحبها من أعمال خيرية، ثم معيشته هنا بعيداً عنها، نقصاناً في الدين؟

الجواب: ليس ذلك نقصاناً يحرم بسببه السكن في تلك البلدان، نعم الابتعاد عن الأجواء الدينية ربما يؤدي بمرور الزمن إلى ضعف الجانب الإيماني في الشخص إلى الحدّ الذي يستصغر معه ترك بعض الواجبات، أو ارتكاب بعض المحرمات، فإذا كان المكلف يخاف أن ينقص دينه بالحدّ المذكور جرّاء الإقامة في تلك البلدان، لم يجز له الإقامة فيها.

السؤال: ربما يقع الساكن في أوروبا وأمريكا وأضرابهما بمحرمات لا يقع بها لو بقي في بلده الإسلامي، فمظاهر الحياة العادية بما فيها من إثارة، تجرّ المكلف إلى الحرام عادة، حتى لو لم يكن راغباً بذلك. فهل يعد هذا نقصاناً في الدين يوجب حرمة السكن تبعاً؟

الجواب: نعم، إلا إذا كانت من الصغائر التي تقع أحياناً ومن غير إصرار.

السؤال: عُرّف التعرب بعد الهجرة بأنه (الانتقال للبلاد التي تنقص فيها معارف المكلف الدينية ويزداد جهله بدينه). فهل معنى هذا أن المكلف في مثل هذه البلدان ملزم شرعاً بمراقبة نفسه مراقبة إضافية حتى لا يزداد جهله بدينه بمرور الزمن؟

الجواب: إنما تلزم المراقبة الإضافية فيما إذا كان تركها يؤدي إلى نقصان الدين بالحدّ المتقدم.

السؤال: لو ازدادت حالات الوقوع في الحرام عما كانت عليه سابقاً من مبلغ إسلامي حريص على دينه، وذلك لخصوصيات البيئة والمجتمع، كانتشار حالات التبرج وأمثالها. فهل يحرم عليه البقاء في بلدان كهذه فيتحتم عليه ترك التبليغ والعودة لوطنه؟

الجواب: إذا كان يبتلى ببعض الصغائر اتفاقاً، لم يحرم عليه البقاء فيها، إذا كان واثقاً من عدم انجراره إلى ما هو أعظم من ذلك.

السؤال: لو خاف المهاجر من نقصان دين أولاده، فهل يحرم عليه البقاء في بلدان كهذه؟

الجواب: نعم كما هو الحال بالنسبة إلى نفسه.

السؤال: هل يجب على المكلف في أوروبا وأمريكا وأضرابهما الحرص على لغة أولاده العربية، باعتبار أن اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم والتشريع، كما أن الجهل بها سيؤدي مستقبلاً إلى الجهل بمصادر التشريع الأساسية المدونة بها، فتقل معارفه الدينية وينقص دينه تبعاً لذلك؟

الجواب: إنما يجب أن يعلمهم منها بمقدار ما يحتاجونه إليه في أداء فرائضهم الدينية، مما يشترط أن يكون باللغة العربية، كقراءة الفاتحة، والسورة، والأذكار في الصلوات الواجبة، ولا يجب الزائد على ذلك، إذا أمكنهم تعلم ما يحتاجون إليه من المعارف الدينية والتكاليف الشرعية باللغة الأجنبية، نعم يستحب تعليمهم القرآن المجيد، بل ينبغي تعليمهم اللغة العربية بصورة متقنة، ليتمكنوا من التزوّد من المنابع الأساسية للمعارف الإسلامية بلغتها الأصلية، وفي مقدمتها، لغة القرآن العزيز والسنة النبوية الشريفة، وكلمات أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم.

السؤال: لو تهيأ لمكلف ما، بلد إسلامي يستطيع السكنى به مع بعض الصعوبات الاقتصادية قياساً بوضعه الحالي هنا. فهل يجب عليه السفر لذلك البلد الإسلامي وترك السكنى بالدول الغربية؟

الجواب: لا يجب، إلا إذا كان لا يأمن على نفسه من نقصان دينه ـ بالحدّ المتقدم بيانه ـ جرّاء البقاء في المهجر.

السؤال: لو استطاع المكلف أن يدعو غير المسلمين للإسلام، أو أن يزيد في تثبيت دين المسلمين في البلدان غير الإسلامية من دون خوف من النقصان في دينه، فهل يجب عليه التبليغ؟

الجواب: نعم يجب كفايةً عليه، وعلى سائر من يستطيع ذلك.

السؤال: هل يجوز البقاء في دول غير إسلامية على ما فيها من منكرات تعرض للإنسان في الشارع أو المدرسة أو التلفزيون أو ما شاكل مع إمكانه الانتقال إلى دول إسلامية ولكن الانتقال يسبب له مشاكل في الإقامة وخسارة مادية وضيقاً في الأمور الدنيوية ونقصاً في الرفاهية، وإذا كان لا يجوز له البقاء فهل يجوّزه له كونه مهتماً بأمور التبليغ بين المسلمين هنا مذكّراً لهم ببعض واجباتهم ومنبهاً إلى ما يجب عليهم تركه من محرمات.

الجواب: لا تحرم الإقامة في تلك البلاد إذا لم تكن عائقاً عن قيامه بالتزاماته الشرعية بالنسبة إلى نفسه وعائلته فعلاً ومستقبلاً وإلا فلا تجوز وإن كان قائماً ببعض الأمور التبليغية.

السؤال: هل يحق للمكلف شراء جواز سفر غيره، أو تغيير صورة الجواز ليضمن دخوله لبلد ما، ثم يقول الحقيقة بعد ذلك للمسؤولين في ذلك البلد؟

الجواب: لا نرخّص في ذلك.