قصة عراقي في الغربة

كنت عائداً بسيارتي من الدنمارك إلى السويد حيث إقامتي، وعلى الحدود أعطيت جواز سفري السويدي إلى الموظفة ففتحته وقرأت مكان الولادة العراق، فقالت: كيف العراق؟ فقلت بخير.. ونرجو الله أن يبقى بخير

- منذ متى وأنت تعيش في السويد؟

- أنهيت لتوي السنة السابعة

- متى زرت العراق آخر مرة؟

- منذ عامين

فنظرت إلي وهي تبتسم وسألتني: من تحب أكثر العراق أم السويد؟

فقلت لها: الفرق عندي بين العراق والسويد كالفرق بين الأم والزوجة.. فالزوجة أختارها.. أرغب بجمالها.. أحبها.. أعشقها.. لكن لا يمكن أن تنسيني أمي..

الأم لا أختارها ولكني أجد نفسي ملكها.. لا أرتاح إلا في أحضانها.. ولا أبكي إلا على صدرها.. وأرجو الله ألا أموت إلا على تراب تحت قدميها.

فأغلقت جواز السفر ونظرت إلي باستغراب وقالت: نسمعُ عن ضيق العيش فيها فلماذا تحب العراق؟

قلت: تقصدين أمي؟

فابتسمت وقالت: لتكن أمك..

فقلت: قد لا تملك أمي ثمن الدواء ولا أجرة الطبيب، لكن حنان أحضانها وهي تضمني ولهفة قلبها حين أكون بين يديها تشفيني.

قالت: صف لي بلدك

فقلت: هي ليست بالشقراء الجميلة، لكنك ترتاحين إذا رأيت وجهها.. ليست بذات العيون الزرقاء، لكنك تشعرين بالطمأنينة إذا نظرت إليها.. ثيابها بسيطة، لكنها تحمل في ثناياها الطيبة والرحمة.. لا تتزين بالذهب والفضة، لكن في عنقها عقداً من سنابل القمح تطعم به كل جائع.. سرقها اللصوص ولكنها ما زالت تبتسم..!!

أعادت إلي جواز السفر وقالت: أرى العراق على التلفاز ولكني لا أرى ما وصفت لي..!!

فقلت لها: أنت رأيت العراق الذي على الخريطة، أما أنا فأتحدث عن العراق الذي يقع في أحشاء قلبي..

- أرجو أن يكون وفاؤك للسويد مثل وفائك للعراق.. أقصد وفاؤك لزوجتك مثل وفائك لوالدتك

فقلت لها: بيني وبين السويد وفاءٌ وعهد، ولست بالذي لا يفي بعهده، وحبذا لو علمتِ أن هذا الوفاء هو ما علمتني إياه أمي.