مما تقدم من الآيات والأخبار وكلمات الفقهاء يُعرف أن حقيقة التعرب عبارة عن البقاء في صحراء الجهل وعدم الاطلاع على المعارف الإلهية والحرمان من السعادة الدائمة، والقناعة بالحياة الفانية الدنيوية، والأنس بالشهوات الحيوانية، وعدم الاستعداد لتحصيل المعرفة، والوصول إلى السعادة، وإن عدم التورع عن أي ذنب وعمل قبيح موجب للعقوبة الأخروية، وعدم الاعتناء بأي عمل جميل موجب للثواب الخالد هو تعرب، كما إن الهجرة ضد ذلك.
ويمكن القول: إن من أقسام التعرب بعد الهجرة الإعراض عن كل عمل خير اشتغل به مدة، وطبعا فإن حرمة هذا القسم من التعرب إنما هي في صورة ما إذا لم يكن ترك ذلك العمل من باب المسامحة والكسل أو لأجل الابتلاء ببعض الموانع، وإنما كان من باب الإعراض والمخالفة، نعم جدير بالإنسان أن لا يترك عمل الخير الذي اشتغل به مدة من الزمن.
عن جابر الجعفي قال سمعت أبا عبد الله(عليه السلام) كان يقول: (إني أحب أن أدوم على العمل إذا عودته نفسي، وإن فاتني بالليل قضيته بالنهار، وإن فاتني بالنهار قضيته بالليل، وإنّ أحبَ الأعمال إلى الله ما ديم عليها، فإن الأعمال تعرض كل خميس وكل رأس شهر، وأعمال السنة تعرض في النصف من شعبان، فإذا عودت نفسك عملا فدم عليه سنة)[1].