ذكرنا أن عرب البادية، وساكني الصحراء يقال لهم (الأعراب)، وحيث إنهم نتيجة بعدهم عن مركز الدين، وعدم وجودهم في المجتمع الإسلامي، محرومون من المعارف الدينية ومحرومون من تعلم المسائل والأحكام الشرعية والعمل بها، لذا ذمهم القرآن الكريم ووبخهم حيث يقول في سورة التوبة:
(وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنْ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا الله وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[1].
(الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ الله عَلَى رَسُولِهِ وَالله عَلِيمٌ حَكِيمٌ)[2].
(وَمِنْ الأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمْ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[3].
(وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إلى عَذَابٍ عَظِيمٍ)[4].
وفي سورة الفتح: (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنْ الأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنْ الله شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً)[5].
(قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا الله وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ)[6].
يستفاد من الآيات المتقدمة في ذم الأعراب، إن التعرب ليس بذاته مذموماً بل مذمته من جهة فقدان الإيمان والجهل بأحكام الله والابتعاد عن مصدر التشريع والعيش في وسط لا يمكن فيه من ممارسة ما فرضه الله على عباده، لذا نجد الآية التالية تمدح بعض الأعراب الذين وفقوا للإيمان والعمل بالأحكام الدينية، وهم مورد المدح والوعد بالرحمة:
(وَمِنْ الأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ الله وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمْ الله فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ )[7].
بناءً على ذلك فكل مسلم يمتنع عن تحصيل المعارف الدينية، وتعلم المسائل الشرعية، ويبتعد عن المجتمعات المسلمة التي يتعلم فيها الحقائق والمعارف والمسائل الدينية، فهو في الحقيقية (متعرب) وما جاء في مذمة الأعرابي يشمله حتى لو كان ساكناً في المدن.
يذكر لنا التأريخ أن عدداً من المسلمين الذين يقولون بحسب الظاهر (لا اله الا الله) مثل قيس بن الفاكه، وقيس بن الوليد وأمثالهم، لم يهاجروا من مكة إلى المدينة مع قدرتهم على ذلك، ولما جاء رؤساء قريش إلى معركة بدر حضروا معهم وقتلوا بسيوف المسلمين فنزل قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً)[8].
وفي هذه الآية دلالة على وجوب الهجرة من مكان لا يتمكن فيه من إقامة شعائر الإسلام.
وقد استفاد الفقهاء وجوب الهجرة من الآية الشريفة: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً* إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً* فَأُوْلَئِكَ عَسَى الله أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ الله عَفُوّاً غَفُوراً)[9].
وقولـه تعالى: (يَا عِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ)[10].
وقوله تعالى: (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إلى الله وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى الله)[11].
وقوله تعالى: (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ الله ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمْ الله رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ الله لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)[12].
وقوله تعالى: (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي الله مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ* الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)[13].
[1] سورة التوبة: آية 90.
[2] سورة التوبة: آية 97.
[3] سورة التوبة: آية 98.
[4] سورة التوبة: آية 101.
[5] سورة الفتح: آية 11.
[6] سورة الفتح: آية 14.
[7] سورة التوبة: آية 99.
[8] سورة النساء: آية 97.
[9] سورة النساء: آية 97-98.
[10] سورة العنكبوت: الآية 56.
[11] سورة النساء: الآية100.
[12] سورة الحج: الآية 58.
[13] سورة النحل: آية 41-42.