التعرب بعد الهجرة: هو أن يعود الإنسان المسلم إلى وضعه السابق من الجهل، واللامبالاة بأحكام الدين، قبل أن يتعلم ما ينبغي أن يتعلمه، كما أن التَعَرُّب هو التَخَلُّقْ بأخلاق الأعراب من سُكَّان البادية، والأعراب جمع (الأعرابي) وهو الجاهل من العَرَب والبدوي الذي لم يتفقه في الدين، البعيد عن المَدَنيَّة والحضارة والعلم والثقافة، فمعنى التَّعّرُّب هو الإقامة والسُكنى مع الأعراب والتأقلم مع جاهليتهم والتخلق بأخلاقهم.
وأطلقه الشارع المقدس على ظاهرة نكوص بعض المسلمين، وابتعادهم عن المجتمع الإسلامي، وإيثارهم سُكنى البادية مع الأعراب والكفار، على السُكنى مع المسلمين في ظل الدولة الإسلامية، بعد هجرتهم إلى دار الإسلام وممارستهم حياة الالتزام الديني، مما يدل على تركهم الالتزام بتعاليم الإسلام، وتخلِّيهم عن الدفاع عن الإسلام، وتقاعسهم عن نصرة مبادئه القيمة.
وفي صدر الإسلام كانت الهجرة واجبة إلى موطن الرسول (صلى الله عليه وآله) من أجل تعلم الأمور الدينية اللازمة، وكان يحرم البقاء في بلاد الكفار إذا كان ذلك مانعاً عن إقامة شعائر الله، كما لو لم يتمكن من إقامة صلاة أو صيام شهر رمضان في بلاد الكفار.
وترك أصل الهجرة، أو العودة بعد الهجرة إلى الحالة الأولى حرام أيضاً ومن الذنوب الكبيرة، وقد جاء الوعيد على ذلك بالنار كما في بعض الآيات التي سوف تأتي في طيات هذا البحث.
وفي معرض بيان معنى عبارة (التعرب بعد الهجرة) التي وردت ضمن المعاصي الكبيرة، أجاب بعض العلماء:
المقصود منها السفر إلى البلاد التي تنقص فيها معارف المسلم الدينية، بسبب بُعده عن مراكز المعرفة والثقافة الدينية.
ولقد أجاد في بيان المعنى، فالمراد من لفظة (الأعرابي) هو الجاهل بأحكام الإسلام، خصوصاً وأن الروايات الشريفة الآتية الذكر قد فسرت المراد من الأعرابي، وعليه فليس لخصوص السكنى في البادية أو الإقامة مع الأعراب دخل في تحقق عنوان التعرب ما لم يصيّر الإنسان نفسه أعرابياً.