لابد من لفت النظر إلى ضرورة التدقيق في الأحكام الشرعية من قبل الآمرين بالمعروف حتى لا يقعوا في المنكر أثناء وفي طريق أمرهم بالمعروف والنهي عن المنكر، وحتى لا ترتكب المنكرات باسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحتى لا تؤدي إلى تنفير العاصين من الدين وأحكامه في وقت يفترض جذبهم إلى الدين والتدين، وأن لا يحمّل الآمرون والناهون أنفسهم أوزاراً يطالبهم الله تعالى بها وهم يعملون على استنقاذ الآخرين كالتجسس على الناس، أو يغلظ لهم ويسب ويشتم أو يضرب أو غير ذلك مع إمكان التأثير بما هو أفضل وأجمل وألين.
ينقل أن جماعة من الشباب دخلوا على أحد العلماء وكانوا يلهثون وهم يحملون دفوفاً محطمة وطبولاً مكسرة، سألهم العالم؟ من أين أنتم قادمون؟ ما هذا الذي بيدكم؟ فقالوا له: كنا في محل إقامتنا فجاءنا خبر أنه في منزل تفصله عدة بيوت عن مكان إقامتنا يقام عرس، وهم يدقون هناك على الدفوف والطبول، فصعدنا إلى السطح وأخذنا نقفز إلى أسطح البيوت المجاورة من سطح إلى سطح حتى وصلنا إلى البيت فدخلنا إليه وضربنا من كان فيه وكسرنا دفهم وطبلتهم، وتقدم أحدهم نحو العالم وقال: أنا توجهت نحو العروس وصفعتها صفعة قوية على وجهها.
فقال العالم ساخراً: بالإضافة إلى أنكم لم تحققوا النهي عن المنكر، فقد ارتكبتم عدة منكرات باسم النهي عن المنكر:
أولاً: كان حفل عرس.
ثانياً: ليس لكم حق في التجسس.
ثالثاً: من أعطاكم الحق في العبور على أسطح بيوت الناس.
رابعاً: من أجاز لكم أن تذهبوا وتتضاربوا؟!!!.
هذا وينبغي أن يكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر في أمره ونهيه ومراتب إنكاره كالطبيب المعالج المشفق، والأب الشفيق المراعي مصلحة المرتكب، وأن يكون إنكاره لطفاً ورحمة عليه خاصة، وعلى الأمة عامة، وأن يجرد قصده لله تعالى ولمرضاته، يخلص عمله ذلك عن شوائب الأهواء النفسانية وإظهار العلو، وأن لا يرى نفسه منزهة، ولا لها علواً أو رفعة عن المرتكب، فربما كان للمرتكب ولو للكبائر صفات نفسانية مرضية لله تعالى أحبه تعالى لها، وإن أبغض عمله، وربما كان الآمر والناهي بعكس ذلك وإن خفي على نفسه.