شروط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتعيّن على القادرين على القيام به وأدائه بالصورة التي تحقق الهدف المناط به، ومن شروط الوجوب:

أولاً: العلم بالمعروف وبالمنكر: يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على العالم بهما، الذي يعرف مصاديقهما ومواردهما، وقادر على التشخيص والتمييز بين الأقوال والأفعال والممارسات السلوكية، ويتناسب الوجوب مع درجة العلم والإطلاع، فوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتأكد في حق الفقيه ثم المتفقه في الدين.

سئل الإمام الصادق (عليه السلام) عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أواجب هو على الأمة جميعاً؟ فقال: لا، فقيل له: ولِمَ؟ قال: إنما هو على القوي المطاع، العالم بالمعروف من المنكر، لا على الضعيف الذي لا يهتدي سبيلاً: إلى أي من أي يقول من الحق إلى الباطل[1]، والدليل على ذلك كتاب الله عزّ وجلّ قوله: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)[2] كما قال عزّ وجلّ: (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ)[3].

ولم يقل: (على أمة موسى ولا على كل قومه، وهم يومئذٍ أمم مختلفة...)[4].

ثانياً: القدرة على التأثير: يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على من له القدرة على التأثير، بأن يكون قوي النفس قوي الإرادة، قوي البيان، له إطلاع كامل على مستويات الناس وطاقاتهم العقلية والنفسية، ويستطيع الصمود أمام العقبات والتعقيدات التي تواجهه، وله قوة في شخصيته يستطيع من خلالها التأثير على الآخرين، بالقول والعمل، وبالإيحاء والتلقين.

لذا نجد أن على رأس الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر هم الأنبياء والأوصياء والأئمّة والفقهاء، ومن له سلطة روحية أو سياسية أو له مكانة اجتماعية مرموقة.

ومن مصاديق القدرة على التأثير، القدرة البدنية في الموارد التي تتطلب استخدام القوة، فالمريض والعاجز والضعيف لا يتعيّن عليه العمل المتوقف على القوة.

وعليه فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجبان باللسان واليد إذا تمكن المكلف من ذلك[5].

ثالثاً: القطع بالتأثير أو احتماله: إذا نظرنا إلى طبيعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نجده تكليفاً ليس بالهيّن ولا باليسير؛ لأنه يصطدم بشهوات الناس ونزواتهم، ويصطدم بمصالح البعض ومنافعهم الذاتية الضيقة، ويصطدم بالغرور والكبرياء اللذين تحملهما النفس الإنسانية.

والناس يختلفون فيما بينهم تجاه المعروف والمنكر، فالبعض يبحث عن الاستقامة في العقيدة والسلوك، فهو يتأثر بما يقال له وبما يؤمر به أو ينهى عنه، والبعض مكابر لا يذعن للحجّة وإن قطع بها، والبعض منغمس في الانحراف، ويبغض الاستقامة، والبعض قد آنس بالانحراف العقائدي والسلوكي حتى أصبح جزءاً من كيانه، يجد فيه تحقيقاً لمصالحه ورغباته ويرفض من يعارضها ويخالفها.

ومن هنا يكون الوجوب مختصاً بمن يقطع أو يحتمل تأثير أمره ونهيه على المقابل.

قال الإمام الصادق (عليه السلام): (إنما يؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر مؤمن فيتعض أو جاهل فيتعلم، وأما صاحب سوط أو سيف فلا)[6].

رابعاً: الأمن من الضرر: إنّ مهمة الدعوة الإسلامية المتجسدة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعوة شاقة تواجه أصنافاً من الناس يختلفون في الاستجابة، فمنهم من يتفاعل معها ليغير مفاهيمه وقيمه وممارساته في ضوء ما يؤمر به ويُنهى عنه، ومنهم من تصدّهُ شهواته ونوازعه عنها، فيعرض عنها معانداً لا ينفتح قلبه لدلائل الهدى، مصراً على انحرافه الفكري والعقائدي يقابل الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بسخرية واستهزاء أو بالإعراض وعدم الاستماع.

ومنهم من يترقى به العناد والغرور والكبرياء إلى المواجهة العنيفة، ويعمل على إلحاق الأذى بالآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، وقد يصل الأذى إلى مرحلة الجرح أو التعويق أو القتل، ففي مثل هذه الحالة فإن الإنسان يسقط عنه وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأنه مشروط بالأمن من الضرر سواء على نفسه أو على غيره.

قال الإمام الصادق (عليه السلام): (والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان على من أمكنه ذلك، ولم يخف على نفسه ولا على أصحابه)[7].
 

 


[1] كأنه من كلام الراوي ومعناه أنهم يدعون الناس من الحق إلى الباطل لعدم اهتدائهم سبيلاً إليهما.

[2] سورة آل عمران: آية104.

[3] سورة الأعراف: آية159.

[4] الكافي: ج5، ص59 ـ 60.

[5] النهاية: ص299.

[6] الكافي: ج5، ص60.

[7] الخصال: ص609.