من قصص المتعففين

النبي إبراهيم (عليه السلام) وغيرته وعفته

بعد أن كسر إبراهيم (عليه السلام) أصنام نمرود، أراد النمرود معاقبته، فأمر بأحراقه ولكنه لم يحترق، فأمرهم بعد ذلك أن ينفوه من بلاده ويمنعوه من الخروج بماشيته وماله، فأخرجوا إبراهيم ولوطاً معه من بلادهم إلى الشام إلى بيت المقدس، فعمل تابوتاً وجعل فيه سارة وشدَّ عليه الأغلاق، غِيرةً منه عليها، حيث كان شديد الحياء والعفة والورع عن عمل الذنوب والمعاصي لذلك اتخذه الله خليلا.

ومضى حتى خرج من سلطان نمرود،  ودخل في سلطان رجل في القبط يقال له عرارة، فمر بعاشر([1]) له فاعترضه العاشر ليعشر ما معه، فقال العاشر  لإبراهيم: افتح هذا التابوت حتى نعشر ما فيه، فقال إبراهيم:قل ما شئت فيه من ذهب أو فضة حتى نعطيك عُشره ولا تفتحه، فأبى العاشر إلا فتحه، تملك إبراهيم (عليه السلام) الغضب وفتحه رغماً عنه فلما بدت له سارة وكانت موصوفة بالحسن والجمال... قال له العاشر: لست ادعك تبرح حتى  أُعلم الملك حالها وحالك، فبعث رسولاً إلى الملك فأعلمه، فبعث الملك رسولا من قبله ليأتوه بالتابوت.. فقال إبراهيم(عليه السلام) لا أُفارق التابوت، فحملوه مع التابوت إلى الملك فقال له: افتح التابوت فقال إبراهيم:

إن فيه حرمتي وابنة خالتي وأنا مفتدٍ لا أفتحه بجميع ما معي، فغضب الملك على إبراهيم لعدم فتحه، فلما رأى سارة لم يملك حلمه أن مدَّ يده إليها،فأعرض إبراهيم بوجهه عنه وعنها غيرةً وقال: اللهم أحبس يده عن حرمتي وابنة خالتي، فلم تصل يده إليها ولم ترجع إليه، فقال له الملك: إن إلهك هو الذي فعل بي هذا؟

فقال نعم إن إلهي غيور يكره الحرام فقال له الملك فادع إلهك أن يردَّ عليَّ يدي فإن أجابك فلم أتعرض لها فقال إبراهيم: إلهي ردَّ عليه يده ليكف عن حرمتي، فردَّ الله عز وجل عليه يده، فأقبل الملك عليها ثم عاد بيده نحوها فأعرض إبراهيم غيرةً وقال: اللهم احبس يده عنها فيبست يده ولم تصل إليها قال الملك لإبراهيم: إن إلهك لغيور وإنك لغيور، فادع إلهك يردَّ عليَّ يدي فإنه إن فعل لم أعد أفعل، فقال إبراهيم أساله ذلك على أنك إن عدت لم تسألني أن أسأله، فقال له الملك: نعم فقال إبراهيم: اللهم إن كان صادقاً فردَّ عليه يده، فرجعت إليه، فلما رأى الملك ذلك عظم إبراهيم عنده وأكرمه واتقاه، وقال له:انطلق حيث شئت ولكن لي إليك حاجة وهو أن تأذن لي أن أقدم لها قبطية عندي جميلة عاقلة تكون لها خادمة، فأذن له إبراهيم فوهبها لسارة وهي هاجر أم إسماعيل(عليه السلام).

أقول: إن إبراهيم(عليه السلام) بسبب شدة غيرته نصره الله على خصمه وأجاب دعوته وهكذا كل من يكون عفيفاً غيوراً يرزقه  الله رزقا حسنا ويجيب دعائه فعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: ( إن الله غيور ومن غيرته حرّم الفواحش ظاهرها وباطنها )([2]).

 

النبي يوسف (عليه السلام) وعفافه وحياؤه

إن نبي الله يوسف(عليه السلام) رزقه الله جمالاً أخَّاذاً يملك القلوب وقد امتحنه الله بذلك حيث كانت سجاياه الحميدة وأخلاقه العالية إضافة إلى ما يملكه من جمال موضع إعجاب امرأة العزيز التي كان يعيش هو في بيتها وقصرها حيث عشقته وأرادت منه إجابتها في ممارسة العمل الفاحش المنكر واعدت لتلك المؤامرة عدة وأغلقت الأبواب لتحبسه وتحكم قبضتها عليه إلا أن الله نصره لأن يوسف(عليه السلام) اختار طريق العفة والشرف فأوحى الله إليه بالهروب وقد شاءت الإرادة الإلهية أن تفتح الأبواب وتكسر الأغلاق ليعينه على الهروب وما إن وصل للباب الأخير حتى كان عزيز مصر حاضراً حين فتحه وقد مزقت زليخا قميصه من الخلف أثناء هروبه من بين يديها... وبالرغم من أن الظروف الظاهرية كانت في غير صالح نبي الله يوسف وخصوصا مع اتهام زليخا له بخيانة سيده ومراودته زوجته... إلا أن الله ينصر الحق وهو غيور ويحب العفيف الغيور أظهر له كرامة ومعجزة لينقذه من سيف العزيز الذي أمر به جزاء لخيانته حيث انطق طفلاً أرادت القدرة الإلهية أن يكون شاهدا على صدقه وعفته فقال إن كان قميصه قدَّ من قُبُل فصدقت وهو من الكاذبين، وإن كان قميصه قُدَّ من دُبُر فكذبت وهو من الصادقين وهكذا كتب الله له النجاة من مكائد الفاحشة والمنكر، وسوف يكون مصير كل من يسلك سبيل العفاف والحياء أن ينصره الله، بل أكثر من ذلك حيث ينال رفعة وعزاً ورزقاً كما نال نبي الله يوسف(عليه السلام) حيث صار عزيزاً لمصر ونصره على إخوته وأعدائه وجعل بيده خزائن مصر وجعل على يديه خلاصها من الجوع والقحط بعد أن رزقه علما غزيرا ومنه تأويل الأحلام ويوم القيامة يباهي الله بعفته وأخلاقه الناس حيث ورد عن أبي عبد الله(عليه السلام) يقول: (ويجاء بالرجل الحسن الذي قد افتتن في حسنه فيقول: يا رب حسنت خلقي حتى لقيت من النساء ما لقيت فيجاء بيوسف(عليه السلام) فيقال: أنت أحسن أو هذا؟ قد حسناه فلم يفتتن ويجاء بصاحب البلاء الذي قد أصابته الفتنة في بلائه فيقول : يا رب شددت علي البلاء حتى افتتنت فيؤتى بأيوب(عليه السلام) فيقال: أبليتك أشد أو بلية هذا؟ قد ابتلى فلم يفتتن)([3]).

 

فاطمة الزهراء (عليها السلام) أرفع مصاديق العفة

إن الزهراء سلام الله عليها جسدت أروع مصاديق العفة والحياء كانت سلام الله عليها دقيقة في حجابها وعفتها لدرجة حتى حال موتها أوصت ان لا يُرى ظاهر جسدها في تشييعها فقالت لأسماء بنت عميس: ( يا أسماء إني استقبح ما يُصنع بالنساء أنه يُطرح على المرأة الثوب فيصفها فقالت أسماء: يا ابنة رسول الله ألا أُريك شيئاً رأيته بأرض الحبشة فدعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوباً فقالت فاطمة ما أحسن هذا وأجمله لا تُعرَف به المرأة من الرجل فإذا أنا متُّ فاغسليني أنت وعلي ولا تُدخلي عليَّ أحدا)([4]).

هذه هي فاطمة فحريٌّ بالمرأة أن تقتدي بها وبعفتها وحجابها لأنها هي قدوتنا والمثل الأعلى لنا وما أبعدنا عنها، هل سألنا أنفسنا يوما ما هو معنى الحجاب الذي تريده الزهراء(عليه السلام)؟ هل هو حجابنا في الوقت الحاضر أم غيره؟ هذا سؤال يجب أن يراود أذهاننا دائما حتى نسعى لتطبيق الحجاب الشرعي الذي تريده منا الزهراء(عليه السلام) وبما أننا ندعي حبها فيتوجب علينا طاعتها لأن المحب لمن أحبَّ مطيعُ.

 

قصة السيد الداماد

كان السيد مير داماد شاباً طالباً للعلوم الدينية في إحدى المدارس الدينية في طهران، وفي إحدى الليالي وبينما كانت بنت شاه إيران في ذلك الوقت، تتجول في الشارع مع جواريها وخدمها، إذ أمطرت السماء مطراً غزيراً وهبت رياح عاتية قوية، فصارت كل واحدة من جواري بنت الشاه تبحث عن ملجأ لنفسها حتى أصبحت بنت الشاه وحيدة في الشارع في ذلك الجو العاصف المخيف، وقد رأت باب المدرسة مفتوحاً فدخلت المدرسة وطرقت باب غرفة السيد الشاب الذي كان يتدفأ بحرارة شيء من الجمر ويدفع به البرد القارص وشرحت للسيد قصتها، فهي فتاة ضائعة تريد ملجأ يأويها ريثما يهدأ الجو، فلم ير السيد بداً من الاستجابة لها، وأدخلها غرفته حيث جلست في زاوية وجلس هو في زاوية أخرى وبعد أن ذهب قسط من الليل بدأ الشيطان يمارس دوره الخبيث في مثل هذه الأجواء...كما ورد في الحديث: ( لا يخلو بامرأة رجل، فما من رجل خلا بامرأة، إلا كان الشيطان ثالثهما) ([5]).

... أصبح الشيطان يزين للسيد اغتنام الفرصة وممارسة الشهوة الحرام فالجو مهيئ والباب مغلق، ولا تمتلك الفتاة أي وسيلة للدفاع والامتناع... ولكنه وهو الشاب الصالح الواعي صار يفكر في وسيلة يتخلص بها من مخالب الشهوة، ومصيدة الشيطان وبسبب ما يمتلك من حصيلة علمية جعلت منه مؤمناً قوياً في مواجهة هكذا صعوبات... توصل إلى طريقة قاسية تعينه على مقاومة شهواته ومكافحة وساوس الشيطان... وذلك بأن يضع أصبعه على الجمر حتى يشتغل بألم الحرق عن التفكير في الحرام وحتى يتذكر حرارة نار جهنم وعقاب الله للعاصين المذنبين، وهكذا استمر بحرق أصابعه طوال الليل، وهو يكابد الآلام ويخاطب نفسه قائلاً ذق نار جهنم.

 

راكب البحر

عن أبي حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين [(عليهما السلام) قال:] إن رجلا ركب البحر بأهله فكسر بهم، فلم ينج ممن كان في السفينة إلا امرأة الرجل، فإنها نجت على لوح من ألواح السفينة حتى ألجأت على جزيرة من جزائر البحر وكان في تلك الجزيرة رجل يقطع الطريق ولم يدع لله حرمة إلا انتهكها فلم يعلم إلا والمرأة قائمة على رأسه، فرفع رأسه إليها فقال: إنسية أم جنية؟ فقالت: إنسية فلم يكلمها كلمة حتى جلس منها مجلس الرجل من أهله، فلما أن هم بها اضطربت، فقال لها: مالك تضطربين؟ فقالت: أفرق من هذا ([6])- وأومأت بيدها إلى السماء - قال: فصنعت من هذا شيئا؟ قالت: لا وعزته، قال: فأنت تَفرَقين منه هذا الفَرَق ولم تصنعي من هذا شيئا وإنما أستكرهك استكراها فأنا والله أولى بهذا الفَرَق والخوف وأحق منك، قال: فقام ولم يحدث شيئا ورجع إلى أهله وليست له همة إلا التوبة والمراجعة، فبينا هو يمشي إذ صادفه راهب يمشي في الطريق، فحميت عليهما الشمس فقال الراهب للشاب: ادع الله يظلنا بغمامة، فقد حميت علينا الشمس، فقال الشاب: ما أعلم أن لي عند ربي حسنة فأتجاسر على أن أسأله شيئا، قال: فأدعو أنا وتؤمن أنت؟ قال نعم فأقبل الراهب يدعو والشاب يؤمن، فما كان بأسرع من أن أظلتهما غمامة، فمشيا تحتها مليا من النهار([7]) ثم تفرقت الجادة جادتين فأخذ الشاب في واحدة وأخذ الراهب في واحدة فإذا السحابة مع الشاب، فقال: الراهب أنت خير مني، لك استجيب ولم يستجب لي فأخبرني ما قصتك؟ فأخبره بخبر المرأة فقال: غفر لك ما مضى حيث دخلك الخوف، فانظر كيف تكون فيما تستقبل([8]).

ونذكر ما يدل على هذه القصة هذه الرواية:

عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) في خطبة له: ومن قدر على امرأة أو جارية حراما فتركها مخافة الله حرم الله عليه النار وآمنه من الفزع الأكبر وادخله الجنة، فان أصابها حراما حرم الله عليه الجنة وادخله النار.

 


[1] أي: صاحب الضريبة.

[2] وسائل الشيعة : ج 20 ص 536.

[3] الكافي : ج 8  ص 228 - 229.

[4] ذخائر العقبى:  ص 83.

[5] مستدرك الوسائل:  ج 14 ص 212.

[6] الفرق بالتحريك: الخوف.

[7] ملياً من النهار أي ساعة طويلة.

[8] الكافي: ج 2 ص 69.