ثمار العفة

إن مما يعتقد به الإمامية أن أحكام الله تعالى وتشريعاته تابعة لمصالح أو مفاسد ترجع إلى العبد نفسه، ومن كمال لطف الله تعالى ورحمته بعباده أن أرسل لهم رسله وشرع لهم أحكامه ليرشدهم إلى هذه المصالح والمفاسد فيفعلوا الأولى ويجتنبوا الثانية، لذا فالسير على طبق أحكام الله وسننه يقود الإنسان نحو سعادة الدنيا والآخرة، قال تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى)([1]).

ومن جهة أخرى، فإن الله جعل من جملة سننه في هذه الحياة أن كل عامل فيها لابد وأن يجازى على عمله، قال تعالى: (أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ)([2])، وقد أحصـى رسول الله(صلى الله عليه وآله) عشـرة ثمار للعفة فقد ورد عنه(صلى الله عليه وآله): (وأما العفاف، فيتشعب منه الرضا والاستكانة والحظ والراحة والتفقد والخشوع والتذكر والتفكر والجود والسخاء، فهذا ما يتشعب للعاقل بعفافه رضى بالله وبقسمه)([3]).

ونستوحي من هذا الحديث الثمرات التالية:-

أولاً وثانيا: الرضا والاستكانة: إن الذي يلتزم بالعفاف من الرجال والنساء يحصل على مكاسب معنوية كبيرة حيث يصل درجة الرضا والاستكانة ويكون إنسانا راضياً قنوعاً صابراً.

ثالثاً: الحفظ: والمراد به إما أن يكون حافظا، فإن الحفظ مرهون بالتقوى، لأن المعاصي تشتت بال الإنسان وتشغله فيما لا يعنيه، وإما المراد بها حفظ الله له، وهو أمر واضح أيضا إذ التقوى تجعل الإنسان محبوبا من الله، وفي عينه وتحت حراسته.

رابعاً: الراحة: إن الله يسهل له أموره ويكون نصيبه الراحة من متاعب الدنيا.

خامساً: التفقد: وتتكون عنده حالة من البصيرة الثاقبة بحيث يلتفت إلى جميع عيوبه وذنوبه ويستغفر الله منها.

سادساً: الخشوع: يرزقه الله نعمة الخشوع لأنه فرغ قلبه عن الشواغل الدنيوية ومنعها عن المحرمات فتنور قلبه بالخشوع والإيمان والتقوى.

سابعاً: التذكر: يرزقه الله نعمة التذكر لأنه ثمرة أُخرى من ثمرات العفاف فيكون ذاكراً لله على كل حال لأن الذي لا يذكر الله سوف يكون قرينه الشيطان حيث قال تعالى: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ)([4]).

ثامناً: التفكر: يرزقه الله التفكر بعظمته وآلائه وهي من أرقى درجات العبادة حيث ورد في الحديث:( تفكر ساعة أفضل من عبادة ستين سنة وأفضل العبادة التفكر )([5]).

تاسعاً وعاشراً: الجود والسخاء: يرزقه الله الجود والسخاء لأنهما هبة من الله يهبها لصالحي أوليائه.

ومن الآثار الإيجابية التي ينعم بها من يتعفف في حياته، بالإضافة إلى ما تقدم جملة من الآثار نذكر بعضها:

تقوي صلة الإنسان بربه وتجعله كأنما يرى الله مراقباً له في كل أحواله.

العفة تكون حصناً حصيناً للمسلم من الوقوع في المعاصي والرذائل.

تكون العفة دافعاً لفعل الخير وتجعل العفيف إيجابياً يساهم في خدمة مجتمعه ووطنه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

العفة من موجبات نصر الله تعالى وتحقيق السعادة في الدارين.

نيل الإنسان الفاضل الحمد والشرف.

نظافة المجتمع من المفاسد والآثام.

إن الله يجعله عزيزاً لأنه سلك طاعة الله ومرضاته حيث ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) ما مضمونه (من أراد عزا بلا عشيرة وغنى بلا مال وهيبة بلا سلطان فلينقل من ذل معصية الله إلى عز طاعته)([6])، ومن أهم المعاصي ما يسلب العفة.

يرزقه الله حسن الخاتمة ويتوفاه حيث يتوفاه قرير العين سعيداً يبشره الله بالرحمة والرضوان فيكون مع الشهداء، لأنه كف نفسه عن الشهوات حيث ورد عن أمير المؤمنين(عليه السلام): (ما المجاهد الشهيد في سبيل الله بأعظم أجرأ ممن قدر فَعَفّ، لكاد العفيف أن يكون ملكا من الملائكة)([7]).

إن صاحب العفاف هو من أهل محبة الله ورعايته ومحل لطفه حيث ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام): (إذا أحب الله عبدا ألهمه الطاعة وألزمه القناعة، وفقهه في الدين وقواه باليقين، فاكتفى بالكفاف، واكتسى بالعفاف، وإذا أبغض الله عبدا حبب إليه المال وبسط له وألهمه دنياه ووكله إلى هواه فركب العناد وبسط الفساد وظلم العباد) ([8]).

الشهوة، فعن الإمام علي(عليه السلام): (العفّة تُضعف الشهوة)([9]).

: فعنه:(عليه السلام)  (ثمرة العفّة القناعة)([10]).

: فعنه(عليه السلام): (ثمرة العفّة الصيانة)([11]).

الوزر وعظم القدر عند الله تعالى: فعنه(عليه السلام) : (من عفّ خفّ وزره، وعظم عند الله قدره)([12]).

الاوصاف: فعنه(عليه السلام): (من عفّت أطرافه حسُنت أوصافه)([13]).

الأعمال: فعنه(عليه السلام): (بالعفاف تزكو الأعمال)([14]).

عن دار الفناء: فعنه(عليه السلام): (ثمرة العفة التنزه عن دار الفناء)([15]).

الله تعالى:فعن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) قال: قال رسول الله (عليه السلام): (من ترك معصية لله مخافة الله تبارك وتعالى أرضاه الله يوم القيامة).

 


[1] سورة طه: 124- 126.

[2] سورة آل عمران: آية 195.

[3] تحف العقول: ص 17.

[4] سورة الزخرف:  آية 36.

[5] بحار الأنوار: ج 66 ص 293.

[6] الخصال:  ص 169.

[7] شرح نهج البلاغة:  ج 20 ص 233.

[8] بحار الأنوار: ج 100 ص 26.

[9] عيون الحكم والمواعظ: ص 67.

[10] المصدر نفسه: 208.

[11] المصدر نفسه: 208.

[12] عيون الحكم والمواعظ: ص 459.

[13] عيون الحكم والمواعظ: ص464.

[14] نفس المصدر: ص 187.

[15] نفس المصدر: ص207.