من أهم العوامل التي ترسخ ملكة العفة عند النساء والرجال هي:
أولاً: الزواج المبكر يقوي ملكة العفة: إن الحاجة إلى الاشباع العاطفي موجودة عند كل إنسان فإذا لم يملأ الإنسان ذلك الفراغ عنده فسوف يعاني ضغوطاً نفسية وجسدية...فيأتي الزواج حلاً شافياً للجميع، لأنه يعصم صاحبه عن الوقوع في المعصية و يسد عليه منافذ الشيطان والنفس الأمارة بالسوء. حيث ورد عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): ( ما من شاب تزوج في حداثة سنه الا عجَّ شيطانه: يا ويله يا ويله عصم مني ثلثي دينه، فليتقِ الله العبد في الثلث الباقي )([1]).
ثانياً: عدم رؤية المشاهد المحرمة تربي ملكة العفة: إن انتشار الفضائيات و تنوع وسائل الاتصال بالعالم له إيجابياته الكبيرة على الصعيد العلمي والاقتصادي والحضاري والديني، إلا أن هناك سلبيات ينبغي الحذر منها وهي النظر إلى المشاهد المحرمة التي تهيج في الإنسان غريزته الشهوية وتثيرها، فكأنما هيجت عليك حيواناً مفترساً، أو أثارت ناراً كامنة تحت الرماد، ويبقى صاحبها يعاني آثارها الدنيوية والأخروية، ففي الحديث: (كم من شهوة ساعة أورثت حزناً طويلاً)([2])، وفي دعاء زين العابدين(عليه السلام) : (واستغاث بك من عظيم ما وقع به في علمك، وقبيح ما فضحه في حكمك، من ذنوب أدبرت لذاتها فذهبت، وأقامت تبعاتها فلزمت)([3])، فهذا النظر المحرم يفتح عليه باب الشيطان، ويحفز النفس الأمارة بالسوء والتي تجعله يرتكب المحرمات والاعتداء على أعراض الناس من أجل تلبية الحاجة التي أطلق لها العنان، وإن الله سوف يحشره بعد ذلك مع أهل الفواحش الذين ينظر إليهم ويشاهدهم، حيث ورد عن رسول الله(صلى الله عليه وآله):
(من أحب قوما حشر معهم، ومن أحب عمل قوم أشرك في عملهم )([4]). وعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: ( النظر سهم من سهام إبليس مسموم وكم من نظرة أورثت حسرة طويلة)([5])، وقال(صلى الله عليه وآله): ( كل عين باكية يوم القيامة إلا ثلاث أعين: عين بكت من خشية الله، وعين غضت عن محارم الله، وعين باتت ساهرة في سبيل الله )([6]).
ثالثاً: عدم الاستماع إلى الموسيقى والغناء تربي ملكة العفة: إن حالة الخفة والنشوة والهيجان التي تحدث في النفس عند سماع الغناء والموسيقى المحرمة تؤدي بالإنسان إلى الجرأة على فعل المحرمات، وتقوده بالنتيجة إلى ممارسة الفاحشة، ففي الحديث الشريف: الغناء رقية الزنا، أي: الوسيلة الموصلة إلى الزنا، فضلا عن اشتغال الفكر بالحرام، فالبيت الذي يعلو فيه صوت الغناء معرض لنزول البلاء إليه من السماء، من مرض وسرقة وحريق ومشاكل وكوارث، إضافة إلى عدم استجابة دعوات أهله وعدم وصول ملائكة الرحمة إليهم، وقد قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): ( بيت الغناء لا تؤمن فيه الفجيعة ولا تجاب فيه الدعوة ولا يدخله الملك)([7]).
رابعاً: مخالفة الهوى ينمي ملكة العفة:إن العفة صفة لا تتحقق إلا بمخالفة الإنسان هواه، وإن اتباع الهوى يؤدي إلى الفتنة وغلبة الشهوة على العقل وبالتالي توقعه بالذلة والمهانة. مثل: ارتكاب المعصية، كإقامة علاقة عاطفية غير مشروعة أو نظرة محرمة أو كلام بريبة، والتساهل في تطبيق الأحكام الشرعية، وقيل: سمي الهوى لأنه يهوي بصاحبه في الدنيا إلى كل داهية، وفي الآخرة إلى الهاوية، وقال الإمام علي(عليه السلام): (أيها الناس إن أخوف ما أخاف عليكم اثنتان: اتباع الهوى، وطول الأمل، فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة)([8]).
خامساً: حب الله ينمي ملكة العفة: إن الحب هو الميل نحو الشيء وكلما زاد أدى إلى الفناء في المحبوب و المعشوق، وإن الحب والعشق ينبغي أن يكونا لله لأن فيه كل صفات الجمال والكمال والقدرة والرحمة واللطف والخير وغيرها، مما يرغب فيه الإنسان ويحتاج إليه في تكامله، فهو منشد بفطرته نحوه لأنه خالقه ومربيه ورازقه.
ومن آثاره أن يجد العبد نفسه منقاداً لطاعته وسعيداً بمناجاته وأنيساً في خلوته لأن الله خير حبيب وخير أنيس وخير معروف عرف بذلك، فعلينا أن نوجه كل حركاتنا وسكناتنا في مرضاته وطاعته وبذلك سوف نكون تلقائيا ولا إراديا قد لبسنا لباس العفاف والحياء وشَغَلَنا حب الله والأُنس به عن كل شهوة وهوى ومعصية... بل عن الدنيا وما فيها بل سوف تبني علاقاتك وأعمالك على أساس الحب في الله والبغض في الله وموالاة أولياء الله ومعاداة أعداء الله حيث قال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ)([9]).
سادساً: التقوى والورع طريق إلى اكتساب العفة: التقوى هي الخشية والخوف من الله تعالى، وأما الورع فهو الاجتناب عن الحرام والتنزه منه وكف النفس عن مطلق المعاصي ومنعها عما لا ينبغي والوقوف حتى عند المشتبه به.
والعفة مرتبطة بالورع والتقوى حيث ورد في معناها أنها: حصول حالة في النفس تمتنع بها عن غلبة الشهوة، وكذلك هي الكف عن الحرام واجتناب ما لا يحمد.
فالمداومة على التقوى تدريب للنفس على الطاعات لدرجة تصبح ملكة وسجية خلقية يتحلى بها بصورة تلقائية وبدون تكلف ومؤونة بل تتأكد هذه الحالة عنده حتى تصبح تلك الصفة ملازمة له فينفر من كل معصية وتشمئز روحه من كل ما يوجب سخط الله بل ينفر من أهل المعاصي.
سابعاً: صفة الحياء تقوي ملكة العفة: إن الحياء يقوي كثيراً من الملكات الفاضلة ومنها ملكة العفة حيث ورد عن الإمام على(عليه السلام): ( سبب العفة الحياء)([10])، وقال (عليه السلام): (أصل المروءة الحياء وثمرته العفة)([11]).
ثامناً: شكر النعمة تنمي ملكة العفة: قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ )([12])، وقال تعالى: (وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ )([13]).
فمن شكر الله تعالى على ما أنعم عليه من الحياء والخُلّق الحسن وباقي صفات المؤمنين من الورع والتقوى والعفة وغيرها، فسوف يزيده الله من عنده ويقوي لديه هذه الصفات وهو معنى طلب الهداية من الله في قولنا: إهدنا الصـراط المستقيم حيث يعني ثبتنا على صراطك المستقيم وارزقنا الاستمرار في السير عليه.
تاسعاً: الصبر مفتاح العفة: إن تحصيل المقامات العالية لا يتحقق من دون أن يتسلح صاحبها بسلاح الصبر فالصبر مفتاح كل خير... ومنه صفة العفاف فلولا امتلاك صاحبها إرادة قوية وإيماناً صادقاً وصبراً لما استطاع أن يتزين بزينة العفاف والحياء قال تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)([14]).
عاشراً: العلم يساعد على طلب العفة: إن إيمان العبد وتقواه وورعه وجميع خصاله الحميدة لا تكمل ولا تترسخ إلا بالعلم، والعلم هنا يقصد به أن يكون العبد على بصيرة من أمره غير متحير ولا ضال بل عنده سراج العلم يضيء له الدرب ويرشده إلى كل خير وعلى العكس من ذلك الجاهل فيبقى متحيراً متخبطاً تعترض في طريقه العثرات يسير على غير هدى كما ورد في الحديث عن أمير المؤمنين(عليه السلام): (العامل بغير علم كالسائر على غير طريق، فلا يزيده بعده عن الطريق إلا بعداً من حاجته والعامل بالعلم كالسائر على الطريق الواضح )([15]).
[1] بحار الانوار: ج 100 ص 221.
[2] وسائل الشيعة: ج15 ص210.
[3] الصحيفة السجادية : ص 152 – 153.
[4] مستدرك الوسائل: ج 12 ص 108.
[5] بحار الانوار: ج 101 ص 40.
[6] نفس المصدر: ج 90 ص 329.
[7] الكافي: ج6 ص433.
[8] نهج البلاغة : ج 1 ص 92 - 93.
[9] سورة البقرة: آية 165.
[10] عيون الحكم والمواعظ: ص282.
[11] عيون الحكم والمواعظ: ص112.
[12] سورة ابراهيم: آية 7.
[13] سورة النمل: آية 40.
[14] سورة الزمر آية 10 .
[15] بحار الانوار: ج 1 ص 209.