نتائج التهاون بالعفة

إن المرأة والرجل بطبيعة خلقتهما كائنين فيهما مقومات التجاذب والتوادد، كما تتجاذب الشحنات الكهربائية السالبة والموجبة، وإن الذي يميز الجانب البشري عن الحيواني أن الله تعالى أودع عند الإنسان - إضافة إلى العقل- العفة والحياء الفطريين، وسلح هذه النعم المودعة عنده بتشريع يكفل تعزيز فطرة الإنسان التي خلقه الله عليها، وهذا التشريع يشمل كلاً من المرأة والرجل، فأوجب على المرأة - باعتبارها الجانب المثير للشهوة- زيادة في التشـريعات لضمان سلامتها وسلامة المجتمع من خطورة التحلل، وفرض على الرجل أيضاً ما يناسبه من العفة، ليُكَمِّل كل منهما الآخر وينتظم أمر المجتمع على الهدى والتقوى.

وهذه الفطرة تقوى وتضعف تبعا للتربية الصالحة التي تُنمِّي وتقوِّي فطرة الإنسان، أو الطالحة التي تطمسها وتغيبها خلف الشهوات والرغبات الجامحة، وقد أشير إلى ذلك في قول الله تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا )([1]).

أي: إنا وضّحنا له سبيل النجاة من الأخطار عن طريق الرسل والأنبياء والكتب السماوية، وأعطيناه حرية الاختيار،  فالأمر متروك له، هل يختار طريق النجاة والسعادة في الدنيا، والجنان في الآخرة، أو يختار طريق الفضيحة والمشاكل وحياة الشقاء في الدنيا والمصير إلى الجحيم في الآخرة...

وبعد هذه المقدمة نقول: إن كثيراً من المشاكل الزوجية تنتج من عدم العفة والحياء، لأن المرأة حتى وإن كانت ملتزمة بالحجاب الظاهري إلا أنها إذا لم تكن تتصرف حسب ما يقتضيه هذا الحجاب من الرزانة وعدم التكلم بما ينبغي أو بهيئة غير صحيحة كالضحك والمزاح والكلام بالباطل، فسوف تسوء سمعتها وتوصف بأنها غير محتشمة أو غير مؤدبة مما يؤدي إلى فقدان الثقة بها، فإن لم تكن متزوجة فسوف يشمئز منها المجتمع ويرفض الرجال الغير ملتزمين من الزواج بها فضلاً عن الملتزمين، لأن الجميع يبتغون المرأة الرزنة العفيفة في تصرفاتها مع الرجال، فالرجل يريد الاقتران بامرأة أمينة على بيته وعرضه بعيدة عن العلاقات المشبوهة التي لا تجلب لها ولأسرتها سوى العار والدمار.

وأما المرأة المتزوجة فسوف تنشب نار المشاكل بينها وبين زوجها بسبب غيرته تارة، وبسبب فقدان ثقته بها وشكوكه بعفافها وطهارتها تارة أخرى... وهذا ما يحدث كثيرا في العائلات حتى المحافظة والملتزمة منها إذا صادف أن الزوجة تتساهل في الحديث والضحك مع أقربائها من الرجال أو  أصدقاء زوجها - بالرغم من أنها ملتزمة بحجابها - حيث يجد الشيطان بغيته في هذه الأجواء فيعمل على إثارة شكوك الزوج وإثارة ريبة الزوجة وتهيج شهوة الرجال الذين تختلط بهم فتحدث المشاكل الكبيرة التي تؤدي إلى الطلاق. 

وهذا كله بداية الطريق نحو الهاوية وإلا فالنتائج بعد ذلك مأساوية، ويكفي الاطلاع على الحالات الاجتماعية المختلفة التي تعرض للإنسان لكي يعرف خطورة هذا الأمر وسوء عاقبته، فإن الدين ندب إلى الإنسان التأمل والتفكر في أحوال الناس ليكتسب منها الخبرة والتجربة، فيحصن نفسه من الوقوع في أخطاء الغير وتكرار نفس تلك الأخطاء مرة ثانية.

ناهيك – بعد كل ذلك – عن العقاب الأخروي والطرد من رحمة الله تعالى والذي بنفسه له آثار على حياة الإنسان في هذه الحياة، فالإنسان الذي يتقي ربه شخص سعيد في الحياة (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)([2]) محبوب من الآخرين (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً )([3])، وكذلك هم أشخاص مرزوقون(وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً)([4])، إلى غير ذلك من محاسن التقوى والورع والعفة ومساوئ مضاداتها من الصفات كالتحلل والانغماس في الشهوات وارتكاب المعاصي والذنوب.

 


[1] سورة الإنسان:  آية 3.

[2] سورة يونس: آية 62.

[3] سورة مريم: آية 96.

[4] سورة الطلاق: آية 2.