هناك بعض الوساوس تعرض للإنسان تؤدي به أن يختلط الحق بالباطل عنده، فتضطرب نفسه ويتحير عقله وهذا ما يؤثر على عمله وتقربه إلى الله تعالى، ومن المعلوم أن كل عمل لم يكن خالصاً لوجه الله وأُريد به غيره سبحانه ينبغي أن يُترك ويُعرض عنه، ولكن لو كان الشروع في العمل خالصاً له تعالى، فلا ينبغي تركه لمجرد هذه الوساوس والخواطر الشيطانية، فإن الشيطان يدعو أولاً إلى ترك العمل فإن لم يُجَب يدعو إلى الرياء، فإذا أيس منه يقول: هذا العمل ليس خالصاً، بل هو رياء، فأي فائدة منه؟!، فلا ينبغي أن يترك العمل خوفاً من الرياء أو أن يقال:إنه مراءٍ، لأنه من مكائد الشيطان.
وروي عن أويس القرني أنه رأى رجلاً يصلي يقوم ويقعد قال: ما لك؟ قال: أقوم فيجيء الشيطان فيقول: إنك ترائي فاجلس، ثم تنازعني نفسي إلى الصلاة فأقوم ثم يقول: إنك ترائي فاجلس، فقال: لو خلوت كنت تصلي هذه الصلاة؟ قال: نعم قال: صل فلست ترائي.
لتكن سياستنا ومنهجنا مع الشيطان هي العناد والرفض والإباء، فإن الشيطان لا يأتي ناصحاً ومشفقاً علينا، فعندما يحذرنا من الرياء، يقصد من وراء ذلك تركنا لهذا العمل الصالح، بهذا الأسلوب الماكر بأن يخوفنا من الوقوع في الرياء، ويربح من ذلك تركنا للعمل الذي يقربنا إلى الله تعالى.
وليجاهد في دفع الرياء وتحصيل الإخلاص، ومهما كان في مقام المجاهدة مع نفسه معاتباً لها في ميلها إلى الرياء، ووجد من طبعه كراهية لهذا الميل، فالنجاة في حقه مرجوة، ولعل الله يسامحه بعظيم رحمته. وأما إذا لم يكن في مقام المجاهدة، ولم يكن كارهاً مما يجد في نفسه من الميل إلى الرياء، بل أعطى زمام الاختيار إلى النفس الأمارة، وهي ترائي في الأعمال، وهو يتبعها في ذلك من غير قهر عليها وكراهية لفعلها، فلا ريب في فساد أعماله وأولوية تركها، وإن كان باعثها ابتداءً محض القربة ودخلها الرياء بعد الشروع فيها.