مخاطر الرياء

للرياء آثار وعواقب وخيمة لا تنحصر بالآخرة بل تشمل الدنيا والآخرة نعرضها كما يأتي:

1- عدم الإتقان في العمل:

قال رسول الله (صلى الله عليه وىله) : (الله يحب عبداً إذا عمل عملاً أحكمه)[1].

وفي الحديث: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)[2].

ومن المعلوم أن من يراقب الله تعالى، ويحاول دائماً نيل مرضاته، ويخلص له في السر والعلن سيجتهد -قدر طاقته- في إتقان العمل الذي يقوم به، سواء كان هذا العمل دنيويّاً أو أخرويّاً، ولأن المرائي لا يهتم بذلك، فليس عنده ضرورة لإتقان ما يقوم به، إلا بالقدر الذي يحقق له غايته عند الناس أو مقصده منهم.

2- بطلان العمل:

ذلك أن الحق سبحانه مضت سنّته في خلقه ألا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً له، وابتغى به وجهه: (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)[3].

والمرائي جعل لنفسه وللناس حظّاً من عمله، فلا يقبل الله منه عملاً، ولا يثيبه عليه.

وصدق النبي (صلى الله عليه وآله) إذ يقول: (إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء، يقول الله عز وجل يوم القيامة إذا جازى العباد بأعمالها: أذهبوا إلى الذي كنتم تراءون في الدنيا، فانظروا: هل تجدون عندهم الجزاء)[4].

3- قسوة القلب:

ذلك أن الرياء يبعد صاحبه عن الإخلاص لله في قوله وعمله، ويبعده عن التعرض لهداية الله سبحانه وتعالى، ويفرط بالتالي في الشهوات ويجعله عبداً لأهوائه، كما أنه يورثه كسلاً، وتراخياً إن لم يكن امتناعاً، عن فعل الخير نهائيّاً. وبالتالي يصاب بظلمة القلب وقسوته على من لا يرائيهم بأفعاله وأقواله، ومن هنا إذا خلت القلوب من الخشية سكنتها القسوة.

4- نزع الهيبة من قلوب الناس:

ذلك أن الله وحده هو الذي يملك غرس هذه الهيبة في قلوب من يشاء من عباده، بيد أن ذلك مرهون بتقديم الإخلاص بين يدي كل سلوك أو تصرف، والمرائي أضاع هذه الرهينة، فضيّع الله عليه الهيبة، ونزعها من قلوب الناس، فصار هيناً عليهم: (وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ)[5].

5- إعراض الناس عنه وعدم التأثر به:

ذلك أن القلب هو محل التأثر من الإنسان، والقلوب بيد الرحمن يقلبها كيف يشاء ومن راءى بعمله، فقد قطع ما بينه وبين الله، وأنى لذلك أن يمنحه الله إقبالاً من الناس أو تأثيراً فيهم، لذا تراه إذا تكلم لا يسمع وإذا عمل لا يحرك.

6- حرمان المرائي من الهداية:

ذلك أن الله عز وجل هو وحده الذي يملك الهداية والتوفيق، وهو وحده الذي يمنّ بهما على من يشاء، ويمنعهما ممن يشاء، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، وقد مضت سنته، وجرى قضاؤه أنه لا يمنحها إلا لمن علم منه الإخلاص، وصدق التوجه إليه: (وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ)[6]، (وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ)[7]. والمرائي بدّد هذا الإخلاص، وضيّع ذلك الصدق، فأنى له الهداية والتوفيق؟ وصدق الله تعالى إذ يقول: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)[8].

7- يصاب المرائي بالضيق والاضطراب النفسي:

ذلك أن المرائي، إنما يفعل ما يفعل طلباً لمرضاة الناس، وطمعاً فيما بأيديهم، وقد يحول قضاء الله وقدره دون تحقيق ذلك، نظراً لأن الأمور عنده سبحانه تجري بالمقادير: (وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ)[9].

وحينئذ يعتريه الضيق والاضطراب النفسي، فلا هو الذي حظي برضى الله عز وجل، ولا هو بالذي حصّل ما كان يؤمله ويرجوه من الناس.

8- الوقوع في غوائل الإعجاب بالنفس، ثم الغرور ثم التكبر:

ذلك أن المرائي أو المسمع يخدع كثيراً من الناس فترة زمنية معينة، وخلال هذه الفترة تلهج ألسنة الناس وأفئدتهم بحمده والثناء عليه، وقد يحمله ذلك على الإعجاب بنفسه، ثم الغرور، ثم التكبر، ثم يعيث في الأرض فساداً، ويؤكد ذلك ما نشاهده في الوقت الحاضر من أن كثيراً من ذوى القيادة في أمتنا، يسلكون سبيل الرياء والتسميع حتى إذا انخدع بهم الدهماء والعامة، وسبحوا بحمدهم انقلبوا إلى معجبين بأنفسهم، ثم مغرورين، ثم متكبرين.

9- الفضيحة في الدنيا وعلى رؤوس الأشهاد يوم القيامة:

ذلك أن المرائي إنما يقصد بعمله هذا خداع غيره؛ ليعطيه هذا الغير زمامه وليسلم إليه قياده، ويأبى الله عز وجل ذلك نظراً لما يمكن أن يصنعه هذا المرائي من إفساد في الأرض، وإهلاك للحرث والنسل: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ )[10].

لذا فإنه يفضحه في الدنيا ولو بعد حين حتى يحذره الناس، ولا يغتروا به، أما في الآخرة فإن الفضيحة تكون مزيداً من الإنتقام والعذاب.

 


[1] وسائل الشيعة: ج3، ص230.

[2] مجمع الزوائد: ج4، ص98.

[3] سورة الكهف: آية 110.

[4] بحار الأنوار: ج69، ص266.

[5] سورة الحج: آية 18.

[6] سورة الرعد: آية 27.

[7] سورة الشورى: آية 13.

[8] سورة الصف: آية 5.

[9] سورة الرعد: آية 8.

[10] سورة البقرة: آية204- 206.