طرق الرياء

للرياء طرق واسعة ومسالك كثيرة، ولا يحترز منها إلا العارفون المالكون لزمام أنفسهم بالمراقبة والمحاسبة فإنه قد يتعلق بالعبادات كتطويل القنوت والركوع وتكثير الصوم والصلاة والسجود مثلاً لإظهار أنه عابد مبالغ في العبادة، وكتحسين الصوت وخفضه وترقيقه عند قراءة القرآن، ليدل بذلك على الخوف والحزن ونحو ذلك‏.‏

وقد يتعلق بتغيير الصورة كاصفرار الوجه لإظهار السهر، وقلة النوم، وتضعيف البدن وإظهار النحول ليستدل بهما على قلة الأكل أو الصوم، ويوهم بذلك شدة الاجتهاد وعظم الحزن على أمر الدين وغلبة الخوف من الله ومن أهوال الآخرة، وإخفاء الصوت لإظهار الرزانة والوقار، وكالإطراق حالة المشي، وكذلك يرائي بتشعث الشعر، ليظهر أنه مستغرق في هم الدين، لا يتفرغ لتسريح شعره‏، وأمثال ذلك، وكل ذلك يضر بالدين وينافي الورع واليقين، ولهذا قال عيسى بن مريم (عليه السلام)‏:‏ (إذا صام أحدكم فليدهن رأسه، ويرجل شعره)[1].‏ وذلك لما يخاف على الصائم من آفات الرياء‏.

وقد يتعلق باللسان كالتكلم بالمقالات العالية لإظهار أنه عالم ماهر، وتحريك اللسان عند لقاء الناس لإظهار أن قلبه حاضر ذاكر، وكإظهار الغضب والأسف على المنكرات ومقارفة الناس للمعاصي، ليستدل بها على حمايته للدين وشدة اهتمامه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع أن قلبه لم يكن متأثراً بذلك.

وقد يتعلق باللباس كلبس الصوف والخشن والمرقّع لإظهار الزهد في الدنيا.

أو متعلقة بغير ذلك كمن يتكلف أن يكثر الزائرون له والواردون عليه لاسيما من العلماء والعباد والأمراء ليقال إن أهل الدين والعظماء يتبركون بزيارته.

 


[1] جامع السعادات: ج2، ص189.