إن أصل الرياء هو حب الدنيا ونسيان الآخرة، وقلة التفكر فيما عند الله، وقلة التأمل في آفات الدنيا وعظيم نِعَم الآخرة وأصل ذلك كله حب الدنيا وحب الشهوات، وهو رأس كل خطيئة، ومنبع كل ذنب لأن العبادة إذا كانت لله تعالى كانت خالية من كل ما يشوبها لا يريد بها إلا وجه الله تعالى والدار الآخرة، وميل الإنسان إلى حب الجاه، والمنزلة في قلوب الناس، والرغبة في نعيم الدنيا، هو الذي يعطب القلب، ويحول بينه وبين التفكر في العاقبة والاستضاءة بنور العلوم الربانية.
وقد ذكرت للرياء أسباب عديدة، ومعرفتها مفيدة في العلاج، ومفيدة للوقاية منه، وسنتعرض لبيان بعضها على النحو الآتي:
1- النشأة الأولى:
إذ قد ينشأ الولد في أحضان بيت دأبه وديدنه الرياء أو السمعة، فما يكون هناك إلا التقليد والمحاكاة وبمرور الزمن تتأصل هذه الآفة في نفسه، وينشأ بحيث يكون كل من الرياء والسمعة وكأنهما جزء لا يتجزأ من شخصيته، ولعل هذا هو السر في وصية الإسلام بأن يكون الدين هو أساس اقتران الرجل بالمرأة.
إذ يقول (صلى الله عليه وآله): (عليك بذات الدين تربت يدك)[1]، ويقول(صلى الله عليه وآله): (إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه)[2].
2- الصحبة أو الرفقة السيئة:
وقد تحتويه صحبة أو رفقة سيئة، لا همّ لها إلا الرياء أو السمعة، فيقلدهم ويحاكيهم، لا سيما إذا كان ضعيف الشخصية، شديد التأثر بغيره، وبتوالي الأيام يتمكن هذا الداء من نفسه، ويطبعها بطابعه، لذلك من ضروري أن تكون الصحبة طيبة تحترم شرع الله وتعمل به.
3- الرغبة في الصدارة أو المنصب.
وقد تدفع الرغبة في الصدارة أو في المنصب إلى الرياء أو السمعة، حتى يثق به من بيدهم هذا الأمر، فيجعلوه في الصدارة أو يبوءوه المنصب ولعل ذلك هو السر في تأكيد الإسلام على اختبار أو ابتلاء الناس قبل الوثوق بهم، أو الركون إليهم لا سيما إذا كانوا على حال يتوقع منهم ذلك.
4- الطمع بما في أيدي الناس:
وقد يحمله الطمع بما في أيدي الناس، والحرص على الدنيا الرياء أو السمعة ليثق به الناس، وترق قلوبهم له فيعطونه ما يملئ جيبه، ويُشبع بطنه.
5- إشباع غريزة حب الثناء من الناس:
وقد يدعوه حب المحمدة، أو الثناء من الناس إلى الرياء وتنتفخ نفسه، بذلك والعياذ بالله.
6- إظهار الآخرين إعجابهم به وبما يصدر عنه من أعمال:
وقد يكون إظهار الآخرين إعجابهم به وبما يصدر عنه من أعمال، هو الباعث على الرياء أو السمعة، كي يكون هناك مزيد من هذا الإعجاب.
8- الجهل أو الغفلة عن العواقب أو الآثار الناجمة عن الرياء أو السمعة:
وأخيرًا قد يكون الجهل أو الغفلة عن العواقب أو الآثار الناجمة عن الرياء أو السمعة هي السبب في مراءاة الناس؛ فإن من جهل أو غفل عن عاقبة شيء ما، لا سيما إذا كانت هذه العاقبة ضارة، تؤدي إلى هذا الفعل ولازمه، حتى يصير خُلُقاً له.