وصية الملك لابنه:
خلف جبال الهمالايا تختبأ ولاية صغيرة وكان يحكمها رجل غني كبير السن ذو خبرة ووقار، ولكن المرض كان قد أنهكه وأحس بقرب نهايته وقد كان للحاكم ولد وحيد شاب في سن الطيش والمراهقة، وذات يوم أمر الحاكم ابنه بالحضور وقال له يا بني: إني أحس بقرب نهايتي وسأوصيك بوصية وهي: إن ضاقت بك الحال يوما ما وكرهت العيش فاذهب إلى المغارة المظلمة خلف القصر وستجد بها حبلاً مربوطاً إلى السقف اشنق نفسك فيه لترتاح من الدنيا وما كاد الحاكم ينتهي من الوصية حتى أغمض عينيه ومات، أما الوارث الوحيد للثروة فقد أخذ يبعثرها ويسرف ويبدِّد على ملذات العيش وعلى رفقاء السوء التي طالما حذره أبوه منهم وبعد برهة من الزمن وجد الابن نفسه وقد نفدت تلك الثروة الهائلة، وتغير الحال، وتركه أصحابه الذين كانوا يصاحبونه لأجل المال فقط حتى أن أقربَهم من قلبه سخر منه وقال لن أقرضك شيئاً وأنت من أنفق ثروته وليس أنا.
لم يجد الشاب ملاذاً وما عاد العيش يطيب له بعد العز فهو مدلّل متعود على ترف الحياة ولا يستطيع أن يتأقلم مع الوضع المتدني الذي وصل إليه، فما كان منه إلا أن تذكر وصية أبيه الحاكم وقال: آه يا أبتاه سأذهب إلى المغارة وأشنق نفسي كما أوصيتني.
وبالفعل دخل المغارة المخيفة والمظلمة ووجد الحبل متدلياً من الأعلى فما كان منه إلا أن سالت من عينه دمعة أخيرة ولف الحبل على رقبته ثم دفع بنفسه في الهواء، فهل مات؟ هل انقضى كل شيء؟ هل هي النهاية اليائسة أم أن الحال مختلف؟ نعم فما إن تدلى من الحبل حتى انهالت علية النقود من السقف ورنين الذهب المتساقط من الأعلى يضج بالمغارة وقد سقط هو إلى الأرض وسقطت بجانبه ورقه كتبها له أبوه الحاكم يقول فيها: يا بني قد علمت الآن كم هي الدنيا مليئة بالأمل عندما تنفض الغبار عن عينيك وتدع رفقاء السوء، وهذه نصف ثروتي كنت قد خبأتها لك فعُد إلى رشدك واترك الإسراف واترك رفقاء السوء.
قوم النبي دانيال (عليه السلام):
فقد ورد عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله): (أكرموا الخبز فإنه قد عمل فيه ما بين العرش إلى الأرض وما فيها من كثير من خلقه، ثم قال لمن حوله: ألا أخبركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله فداك الآباء والأمهات، فقال: إنه كان نبي فيمن كان قبلكم يقال له: دانيال وإنه أعطى صاحب معبر رغيفاً لكي يعبر به فرمى صاحب المعبر بالرغيف، وقال: ما أصنع بالخبز هذا الخبز عندنا قد يداس بالأرجل فلما رأى ذلك منه دانيال رفع يده إلى السماء ثم قال: اللهم أكرم الخبز فقد رأيت يا رب ما صنع هذا العبد وما قال، قال: فأوحى الله عز وجل إلى السماء أن تحبس الغيث وأوحى إلى الأرض أن كوني طبقاً كالفخار، قال: فلم يمطروا حتى أنه بلغ من أمرهم أن بعضهم أكل بعضاً فلما بلغ منهم ما أراد الله عز وجل من ذلك قالت امرأة لأخرى ولهما ولدان: يا فلانة تعالي حتى نأكل أنا وأنت اليوم ولدي وإذا كان غدا أكلنا ولدك، قالت لها: نعم، فأكلتاه فلما أن جاعتا من بعد راودت الأخرى على أكل ولدها فامتنعت عليها فقالت لها: بيني وبينك نبي الله فاختصما إلى دانيال (عليه السلام) فقال لهما: وقد بلغ الأمر إلى ما أرى؟ قالتا له: نعم يا نبي الله وأشد قال: فرفع يده إلى السماء فقال: اللهم عد علينا بفضلك وفضل رحمتك ولا تعاقب الأطفال ومن فيه خير بذنب صاحب المعبر وأضرابه لنعمتك، قال: فأمر الله عز وجل السماء أن أمطري على الأرض وأمر الأرض أن انبتي لخلقي ما قد فاتهم من خيرك فإني قد رحمتهم بالطفل الصغير)[1].