وبعد أن اطلعنا على أسباب الإسراف لابد أن نطلع على آثاره الفاسدة في هذه الحياة الدنيا وفي الآخرة، ليكون هذا من جملة المقدمات التي ينبغي معرفتها قبل الوصول إلى مرحلة العلاج، وهنا نعرض جملة من آثار الإسراف:
1- علة البدن: فالبدن محكوم بطائفة من السنن والقوانين الإلهية، بحيث إذا تجاوزها الإنسان بالزيادة أو بالنقص؛ تطرقت إليه العلة، وحين تتطرق إليه العلة، فإنّها تقعد بالإنسان عن القيام بالواجبات، والمسؤوليات الملقاة على عاتقه، أو المنوطة به.
2- قسوة القلب: فقسوة القلب لها أسباب مختلفة ومن ضمنها الانغماس في الشهوات والملذات، فإن القلب يرق ويلين بالجوع، أو بقلة الغـذاء، ويقسو ويجمد بالشبع، أو بكثرة الغذاء، وحين يقسو القلب، أو يجمد؛ فإنّ صاحبه ينقطع عن البر والطاعات، وحتى لو جاهد الإنسان نفسه، وقام بالبر والطاعات؛ فإنه لا يجد لها لذة ولا حلاوة، بل لا يجني من ورائها سوى النَصَب والتعب.
3- خمول الفكر: فخمول الفكر مرتبط بعدة عوامل، والبِطنة أحدها، فإذا خلت البطن؛ نشط الفكر، وإذا امتلأت؛ اعتراه الخمول، حتى قالوا قديما: «إذا امتلأت البطنة نامت الفطنة». فإذا أصيب الفكر بالخمول يفقد أخص الخصائص التي تميزه عن باقي المخلوقات.
4- تحريك دواعي الشر والإثم: فإن الإسراف يولد في النفس طاقة ضخمة، ووجود هذه الطاقة من شأنه أن يحرك الغرائز الساكنة أو الكامنة في هذه النفس، وحينئذ لا يؤمن على المسلم الوقوع في الإثم والمعصية - إلا من رحم الله- ولعل ذلك هو السر في تأكيد الإسلام على الصوم لمن لم يكن قادراً على النكاح.
5- الانهيار في ساعات المحن والشدائد: فالمسرف قضى حياته في الاسترخاء والترف، فلم يألف المحن والشدائد، ومثل هذا إذا وقع في شدة أو محنة؛ لا يلقى من الله أدنى عون أو تأييد، فيضعف وينهار، لأن الله عز وجل لا يعين ولا يؤيد إلا من جاهد نفسه، وكان صادقاً مخلصاً في هذه المجاهدة، بالإضافة إلى أنه لم يعوّد نفسه أو يروضها على الخشونة والشدة.
6- عدم الرعاية أو الاهتمام بالآخرين: فالإنسان لا يرعى الآخرين، ولا يهتم بهم - غالباً- إلا إذا أضناه التعب، وأعيته الحاجة، كما أثر عن النبي يوسف (عليه السلام): أنه لما صار على خزائن الأرض، ما كان يشبع أبداً، فلما سئل عن ذلك؛ قال: (أخاف إن شبعت أن أنسى الجياع).
والمسرف مغمور بالنعمة من كل جانب، فأنّى له أن يفكر أو يهتم بالآخرين!
7- المساءلة غداً بين يدي الله: كما قال سبحانه: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ)[1]. فيوم القيامة يُسأل العبد عن كل ما يرد إليه من أموال وكل ما يكسبه في حياته من أعمال فلو كان حراماً فهو معرض للعقاب ولو كان مشتبها فهو معرض للعتاب ولو كان حلالا فهو لا يخلو من أصل الحساب، وهو ليس بالأمر اليسير كما يُظن فكل زمن يمر على الإنسان في الحساب فهو من جملة العذابات التي يشملها الموقف يوم القيامة، بما يصحبه من خوف ورهبة من حساب الله تعالى للعبد، فعن الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام): (... واعلم أن في حلالها حساب وفي حرامها عقاب وفي الشبهات عتاب، فأنزل الدنيا منزلة الميتة وخذ منها ما يكفيك، فإن كان ذلك حلالا كنت قد زهدت فيها، وإن كان حراماً لم يكن فيه وزر فأخذت كما أخذت من الميتة، وإن كان العقاب فإن العقاب يسير...)[2].
8- الوقوع تحت وطأة الكسب الحرام: ذلك أن المسرف قد تضيق به، أو تنتهي موارده فيضطر تلبيةً لشهوته وحفاظاً على حياة الترف والنعيم التي ألفها إلى الوقوع في الكسب الحرام، إذ يستنكف من أن يراه الناس بحال أخرى غير حالته فيتوسل إلى ذلك بكل وسيلة.
9- أخوّة الشياطين: كما قال سبحانه وتعالى:(إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) [3]، وأخوة الشياطين تعني: الصيرورة منهم والانضمام إلى حزبهم، وإن ذلك لهو الخسران المبين والضلال البعيد.
10- الحرمان من محبة الله: كما قال سبحانه: (إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)[4].
وماذا يصنع من حرم محبة الله؟! إنه يعيش في قلق واضطراب، وألم نفسي، وإن أحاطت به الدنيا من كل جانب .