أسباب الإسراف

ولما كان الإسراف من الذنوب الكبيرة التي يستحق عليها العذاب فلابد من الإقلاع عنها وهو لا يحصل إلا بعد معرفة الأسباب التي تؤدي إليه حتى يتلافاها الإنسان ومن جملة الأسباب التي تؤدي إلى الإسراف:

 جهل المسرف بتعاليم الدين الذي ينهى عن الإسراف بشتى صوره، فعاقبة المسرف في الدنيا الحسرة والندامة: (وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً)[1]، وفي الآخرة العقاب الأليم والعذاب الشديد: (وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ* فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ* وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ* لَّا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ* إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ)[2]، والترف صورة من صور السرف.

 التربية الخاطئة:

فقد ينشأ الإنسان في أسرة اعتادت على الإسراف والبذخ، فما يكون منه سوى الاقتداء والتأسي بهم، وهذه من المآسي التي تمارسها الأُسَر في حق أبنائها إذ تربيها تربية خاطئة من دون وعي بعِظم المسؤولية الملقاة على عاتقها من جهة، وخطر التعود على الأساليب الخاطئة من المعيشة التي يتربى عليها الإنسان فينشأ أنساناً مخطِئاً في باقي حياته، إلا أن يلتفِت ويحاول تصحيح مساره وهو يحتاج إلى جهد وإرادة وبعد ذلك توفيق من الله تعالى. 

 السعة بعد الضيق:

ذلك أن كثيراً من الناس قد يعيشون في ضيق، أو حرمان، أو شدة، أو عسر، فتجدهم صابرين محتسبين، وقد يحدث أن تتبدل الأحوال، فتكون السعة بعد الضيق، أو اليسر بعد العسر، وحينئذ يصعب على هذا الصنف من الناس التوسط أو الاعتدال؛ فينقلب على النقيض تماماً، فيكون مسرفاً مبذراً.

 صحبة المسرفين:

فالإنسان غالباً ما يتخلق بأخلاق صاحبه، لاسيما إذا طالت هذه الصحبة، وكان هذا الصاحب قوي الشخصية، شديد التأثير، وبذلك ندرك السر في تأكيد الإسلام، وتشديده على ضرورة انتقاء الصاحب أو الخليل، المتخلق بالأخلاق الفاضلة والدين الصحيح.

 حب الظهور والتباهي:

وقد يكون الإسراف سببه حب الشهرة والتباهي أمام الناس رياء وسمعة والتعالي عليهم، فيظهر لهم أنه سخي وجواد، فينال ثناءهم ومدحهم، لذا تراه ينفق أمواله في كل حين وبأي حال، ولا يهمه أنه أضاعها وارتكب ما حرم الله.

 المحاكاة والتقليد:

وقد يكون سبب الإسراف محاكاة الغير وتقليدهم حتى لا يوصف بالبخل، باعتبار أن الناس بسبب ابتعادهم عن التعاليم الدينية يسرفون في تقييم الواقع الديني فيرفعون بعض الأحكام المستحبة -بل الآداب والأمور الموهومة- إلى مستوى أكبر الواجبات، ويستهينون ببعض الواجبات إلى حد جعلها مثل أصغر المستحبات، لذا ومن هذا المنطلق ترى الناس يستهينون بذنب الإسراف بل يعدونه أمراً ممدوحاً مع أنه من الكبائر ويبغضون البخل مع أنه مجرد صفة مذمومة وليس ذنباً، نعم هو يجر إلى مجموعة من الذنوب كحبس الحقوق ونحوها، فلأجل إظهار الصفة الممدوحة والابتعاد عن الصفة المذمومة -في نظر العرف- تراه ينفق أمواله كيفما كان من غير تبصر أو نظر في العاقبة التي سينتهي إليها، وبخاصة إذا نظرنا إلى العالم الغربي والشرقي البعيد عن أحكام الإسلام وكيف أنه يسرف كثيراً في تصرفاته وأحواله كلها.

 الزوج والولد:

فقد يُبتلى الإنسان بزوج أو ولد، دأبهم وديدنهم الإسراف، وقد لا يكون حازماً معهم، فيؤثّرون عليه، وبمرور الأيام، وطول المعاشرة، ينقلب مسرفاً مع المسرفين، ولعلّنا بذلك نفهم بعض الأسرار التي قصد إليها الإسلام حين أكد ضرورة انتقاء واختيار الزوجة، وعلى ضرورة الاهتمام بتربية الولد.

 الغفلة عن طبيعة الحياة الدنيا وما هي عليه:

الدنيا لا تثبت ولا تستقر على حال واحدة، بل هي متقلبة متغيرة والواجب يقتضي أن نكون منها على وجل وحذر، نضع النعمة في موضعها، وندخر ما يفيض عن حاجتنا الضرورية اليوم من مال، وصحة، ووقت إلى الغد أو بعبارة أخرى: ندخر من يوم إقبالها ليوم إدبارها، كما تقدم عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: (واذكر في اليوم غداً) على بعض الوجوه المتقدمة.

 التهاون مع النفس:

فالنفس البشرية تنقاد وتخضع، ويسلس قيادها بالشدة والحزم، وتتمرد وتتطلع إلى الشهوات، وتلح في الانغماس فيها بالتهاون واللين، وعليه: فإن الإنسان إذا تهاون مع نفسه، ولبى كل مطالبها؛ أوقعته لا محالة في المهالك ومن ضمنها الإسراف.

 الغفلة عن شدائد وأهوال يوم القيامة:

فيوم القيامة فيه من الشدائد والأهوال، ما ينعقد اللسان بسببها، وتعجز الكلمات عن الوصف والتصوير، ومن ظل متذكراً ذلك، متدبراً فيه؛ قضى حياته غير ناعم بشيء في هذه الحياة الدنيا، أما من غفل عن ذلك، فإنّه يصاب بطول الأمل الذي يقوده بدوره إلى كل مصيبة في الدنيا، ومن ضمنها الإسراف والترف، بل ربما إلى ما هو أبعد من ذلك.

 نسيان الواقع الذي تعيشه البشرية عموما، والمسلمون على وجه الخصوص: فقسم كبير من البشرية اليوم يقف على حافة الهاوية، وكثير من المسلمين قد صاروا إلى حال يرثى لها من الفقر والفاقة والذل والهوان؛ في حين أن البعض الآخر يتقلب في النعيم، فذاك يموت من الجوع وهذا يموت من التخمة، فإن من ينسى هذا الواقع يمكن أن يصاب بالترف والإسراف والركون إلى زهرة الدنيا وزينتها. وقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله): (من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم)[3].

 الغفلة عن الآثار المترتبة على الإسراف:

فإن للإسراف آثاراً ضارة، وعواقب مهلكة، فالإنسان الحكيم - الذي ينطلق في تفكيره من مقتضى الحكمة والعقل- ما يفعل الشيء أو يتركه، إذا كان على ذكر من آثاره وعواقبه، أما إذا غفل عن هذه الآثار؛ فإن سلوكه يختل، وأفعاله تضطرب، فيقع فيما لا ينبغي، ويهمل أو يترك ما ينبغي، وعليه فإن الإنسان إذا غفل عن الآثار المترتبة على الإسراف، يكون عرضة للوقوع فيه.

 


[1] سورة الإسراء: آية29.

[2] سورة الواقعة: آية41- 45.

[3] الكافي: ج2، ص163.