الإسراف في العقائد والأعمال

ما ذكر راجع للإسراف في المال، ولكن حيث إن الإسراف في اللغة معناه تجاوز الحد فهو متصور إذن في الأمور الاعتقادية، وهكذا في تمام أعمال الإنسان.

  فالإسراف في العقيدة هو أن يعتقد بنفسه أو بغيره ما لا صحة له، وما لا يليق الاعتقاد به، مثل اعتقاد فرعون بربوبيته حيث قال: (ما علِمتُ لَكُم مِن إلهٍ غَيري)[1]، وعدّه الله تعالى من المسرفين حيث قال تعالى: (وإنّ فِرعَونَ لَعالٍ في الأرضِ وإنه لَمِنَ المُسرِفين)[2].

  وكذلك إذا لم يعتقد بما ينبغي الاعتقاد به كالاعتقاد بالله، والنبوة، والإمامة، والمعاد وغير ذلك، كما يقول تعالى في القرآن المجيد: (وكذلك نَجزي مَن أسَرَفَ ولَمْ يؤمِن بآياتِ ربهِ ولَعذابُ الآخرةِ أشدّ وأبقى) [3].

  وأما الإسراف في الأعمال فهو أن يأتي بما لا ينبغي الإتيان به، أو يترك ما ينبغي الإتيان به، كما عَدّ الله تعالى قوم لوط الذين يرتكبون عمل اللواط القبيح مسرفين، حيث قال: (إنكُم لَتأتون الرجالَ شَهوةً مِن دونِ النِساءِ بَلْ أنتُمْ قَومٌ مُسرِفون) [4].

حيث يضعون البذور في غير محل زراعتها.

  بل إن أي ذنب فعلي أو قولي يصدر من الإنسان هو إسراف، وكل مذنب مسرف كما يقول تعالى في سورة الزمر:( قُل يا عباديَ الذينَ أسرَفوا على أنْفُسِهِم لا تَقنَطوا مِن رَحمَةِ الله)[5]. ومن صور الإسراف التي تتعلق بالعمل أن البعض قد يسرف في السهر الطويل أو النوم الكثير مخالفا بذلك سنن الله تعالى في الكون، ومُتغافلاً عن مضار ذلك التصرف الخاطئ الذي يوهن الجسم، ويُرهق التفكير، ويُربك بعض وظائف الجسم العضوية، ويؤثر على حالته النفسية في الغالب.

  وهناك من يسرف في القيل والقال، فلا يتوانى عن نقل الكلام وإشاعته بين الناس سواءً كان ذلك صحيحاً أو غير صحيح، مباحاً أو غير مُباح، والأدهى من ذلك أن ينقله دون التحقق من صحته، أو الزيادة عليه ونحو ذلك مما نهت عنه تعاليم ديننا الحنيف.

  وهناك من يُسرف في الاهتمام بالكماليات في وقتٍ يُهمل معه القيام بالضروريات وأداء الحقوق والواجبات التي هي أولى بالاهتمام وأجدر بالأداء.

  وهكذا... تتعدد صور الإسراف وأشكاله وأنماطه التي علينا جميعاً الحذر منها والحرص على اجتنابها وعدم الوقوع فيها لما يترتب عليها من نتائج مؤسفةٍ ومضار عظيمة.

وينبغي للمؤمن أن يحاول ترك الإسراف حتى في الأمور المباحة، من النوم أو اليقظة، أو الكلام، أو الطعام، كما ورد في الحديث الشريف: (أفضلكم منزلة عند الله أطولكم جوعاً وتفكراً وأبغضكم إلى الله تعالى كل نؤوم أكول شروب)[6]. وبنحو عام عليه أن يجهد في أن لا يتجاوز الحد في أي عمل من أعماله.[7]

 


[1] سورة القصص: آية38.

[2] سورة يونس: آية83.

[3] سورة طه: آية127.

[4] سورة الأعراف: آية81.

[5] سورة الزمر: آية53.

[6] مفتاح السعادة: ج7، ص413.

[7] الذنوب الكبيرة: ج2، ص118.