تحلي الإمام الحسين (عليه السلام) بالعاطفة

تحلي الإمام الحسين (عليه السلام) بالعاطفة[1]

 ولا سيما أنه (صلوات الله عليه) لم تجف عاطفته في هذه المدة الطويلة، ولم يتجرد عنها ويدعها جانباً، كما قد يحصل لكثير من ذوي التصميم والإصرار على الدخول في الصراعات المضنية ومقارعة الأهوال، بل كان (عليه السلام) - كسائر أهل بيته (صلوات الله عليهم) - متكامل الإنسانية. فهو أشدّ الناس عاطفة، وأرقهم قلباً، يتفاعل مع الآلام والمصائب التي ترد عليه، وتستثيره المناسبات الشجية حسرة وعبرة. كما يظهر بمراجعة تفاصيل الواقعة تاريخياً. وتقدم منّا التعرض لبعض مفردات ذلك. وربما يأتي شيء منه في أثناء حديثنا هذا.

وذلك يزيد في معاناته (عليه السلام) في هذه المدة الطويلة، خصوصاً في تخطي مفاصلها المثيرة للعاطفة والباعثة على الحسرة. كما انتبهت لذلك أخته العقيلة زينب الكبرى (عليها السلام) حينما أنشد ( صلوات الله عليه) ليلة العاشر من المحرم:

يا دهر أف لك من خليــل                              كم لك بالإشراق والأصيل

من صاحب أو طالب قتيل                              والدهر لا يقنـــــع بالبديل

وإنما الإمـــر إلى الجليــل                               وكل حيّ سالك الســــبيل

حيث لم تملك نفسها أن وثبت تجر ثوبها وإنها الحاسرة حتى انتهت إليه، فقالت: ((واثكلاه. ليت الموت أعدمني الحياة. اليوم ماتت أمي فاطمة وعلي أبي وحسن أخي. يا خليفة الماضي وشمال الباقي)). فنظر (عليه السلام) إليها، وقال: ((يا أخية لا يذهبن حلمك الشيطان)). قالت: ((بأبي أنت وأمي يا أبا عبد الله، استقتلت نفسي فداك)) فرد (عليه السلام) غصته و ترقرقت عيناه، وقال: ((لو ترك القطا ليلاً لنام)). فقالت (عليها السلام): ((يا ويلتي أفتُغصب نفسك اغتصاباً؟! فذلك أقرح لقلبي، وأشدّ على نفسي))[2] .

ولكن عاطفته (صلوات الله عليه) مهما بلغت لم تمنعه من المضي في طريقه، ومن تصميمه على الوصول للنهاية المفجعة. كل ذلك لفنائه (عليه السلام) في ذات الله تعالى، ولأن هدفه الأسمى رضاه جل شأنه. كما أفصح عن ذلك في أحاديثه المتفرقة، خصوصاً خطبته الجليلة حينما أراد الخروج من مكّة، التي سبق التعرض لها آنفاً))[3].

ومن أقواله المروية عنه (عليه السلام): ((هوّن عليّ ما نزل بي أنه بعين الله ))[4]، و: ((عند الله أحتسب نفسي وحماة أصحابي))[5] ... إلى غير ذلك.

 


[1] السيد محمد سعيد الحكيم، فاجعة الطف، الطبعة السابعة، 1442هـ-2021م، القسم الأول: ص54.

[2] تاريخ الطبري ج: ٤ ص: ٣١٩ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، واللفظ له. الكامل في التاريخ ج: ٤ ص: ٥٩ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة: ذكر مقتل الحسين (رضي الله عنه). أنساب الأشراف ج ۳ ص: ۳۹۳ خروج الحسين بن علي من مكة إلى الكوفة. مقاتل الطالبيين ص: ٧٥ مقتل الحسين بن علي (عليهما السلام). نهاية الأرب في فنون الأدب ج:20 ص: ٢٧٢-٢٧٤ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة: ذكر مسير الحسين بن علي (رضي الله عنهما) وخير من نهاه عن المسير. إعلام الورى بأعلام الهدى ص: ٤٥٧. اللهوف في قتلى الطفوف ص: ٥٠ وصول الحسين إلى كربلاء، وقريب منه في البداية والنهاية ج: ٨ ص: 192 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة: صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمة الشأن، وتاريخ اليعقوبي ج: ٢ ص: ٢٤٤ مقتل الحسين بن علي، والمنتظم ج: ٥ ص: ٣٣٨ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة: مقتل الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام)، وغيرها من المصادر.

[3] تقدمت مع مصادرها عند الكلام في أن الإمام الحسين (عليه السلام) مأمور بنهضته عالم بمصيره.

[4] اللهوف في قتلى الطفوف ص: ٦٩ شهادة أهل بيته (عليهم السلام).

[5] مقتل الحسين للخوارزمي ج:2 ص: ۱۹ - بحار الأنوارج: ٤٥ ص: ٢٧. ووردت هكذا: ((احتسب نفسي وحماة أصحابي)) في تاريخ الطبري ج: ٤ ص: ٣٣٦ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، والكامل في التاريخ ج: ٤ ص: ٧١ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة: ذكر مقتل الحسين (رضي الله عنه)، ونهاية الأرب في فنون الأدب ج:20 ص:283 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة: ما تكلم به الحسين.