أما هيبته فتعنو لها الوجوه والجباه، فكانت تعلو على أسارير وجهه أنوار الأنبياء، وهيبة الأوصياء، ووصف شاعر العرب الأكبر الفرزدق في رائعته هيبة الإمام (عليه السلام) بقوله:
يكـــاد يُمْسِكُـهُ عرفان راحته ركـن الحطيم إذا ما جاء يستلم
في كــــــفِّهِ خَيْزَرانٌ ريحُهُ عَبِقٌ مِنْ كَفِّ أرْوَعَ في عرْنينهِ شَمَـمُ
يُغضِي حــياءً ويُغضَى من مهابته فـلا يُكـلم إلا حــين يبـتسم[1]
وكان لا تشبع من رؤية صباحة وجهه عين الناظر، وكانت هيبته تحكي هيبة جده الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، وقد بهر بها المجرم السفاح مسلم بن عقبة الذي استهان بجميع القيم والمقدرات، فحينما رأى الإمام (عليه السلام) ارتعدت فرائصه، ولم يأخذ البيعة منه كما أخذها من سائر أهل المدينة على أنهم عبيد قن ليزيد[2].
وفي رواية أخرى أنّ الخليفة الأُموي هشام بن عبد الملك جاء إلى مكّة لأداء الحجّ ـ قبل استخلافه، فأراد استلام الحجر الأسود فلم يقدر، فنُصب له منبر فجلس عليه وطاف به أهل الشام، فبينما هو كذلك إذ أقبل الإمام زين العابدين (عليه السلام) وعليه إزار ورداء، من أحسن الناس وجهاً وأطيبهم رائحة، بين عينيه ثفنة السجود، فجعل يطوف، فإذا بلغ إلى موضع الحجر تنحّى الناس حتّى يستلمه هيبة له.
فقال شامي: من هذا يا أمير المؤمنين؟ فقال: لا أعرفه، لئلاّ يرغب فيه أهل الشام، فقال الفرزدق وكان حاضراً: لكنّي أنا أعرفه، فقال الشامي: من هو يا أبا فراس؟ فأنشأ قصيدته المشهورة:
يا سائلي أين حلّ الجود والكـرم عندي بيان إذا طلابه قدموا
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبـيت يعرفه والحلّ والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلّهم هـذا التقيّ النقيّ الطاهر العلم
هذا ابن فاطمة إن كنت جــاهله بجدّه أنبياء الله قد خُتموا. [3]