تهيؤ الإمام الحسين (عليه السلام) للقاء الحر وأصحابه

تهيؤ الإمام الحسين (عليه السلام) للقاء الحر وأصحابه

وفي حديث عبد الله بن سليم والمذري بن المشمعل الأسديين أن الإمام الحسين (عليه السلام) نزل شراف. فلما كان في السحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء فأكثروا، ثم سار حتى انتصف النهار، ثم التقى بالحر ومن معه - وهم ألف فارس – في حرّ الظهيرة، فقال (صلوات الله عليه) لفتيانه: ((اسقوا القوم وارووهم من الماء، ورشفوا الخيل ترشيفاً)).

قالا: ((فقام فتيانه فرشفوا الخيل ترشيفاً، فقام فتية وسقوا القوم من الماء حتى أرووهم. وأقبلوا يملؤون القصاع والأتوار والطساس من الماء، ثم يدنونها من الفرس. فإذا عبّ فيه ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عزلت عنه وسقوا آخر حتى سقوا الخيل كلها))[1].

ويظهر من ذلك أنه (عليه السلام) قد تهيأ للقاء الحر وجيشه من السحر حينما أمر باستقاء الماء فأكثروا منه. وإلا فركب الإمام الحسين (صلوات الله عليه) يقارب المائتين أو يزيد عليها قليلاً، وليس من الطبيعي أن يستقي من الماء ما يفيض عن حاجته بمقدار ما يكفي لإرواء ذلك الجيش البالغ ألف نفر وإرواء خيلهم لو لم يكن (عليه السلام) قد تهيأ لذلك وتعمد الزيادة من الماء سحراً قبل ارتحاله من شراف.

وإذا كان (عليه السلام) عالماً بلقاء ذلك الجيش فمن الطبيعي أن يكون عالماً بنتائج ذلك اللقاء وما يترتب عليه، وموطناً نفسه عليها، من أجل تحقيق هدفه. وإلا كان بوسعه الرجوع قبل لقائه.

وبذلك يظهر أن محاولته (صلوات الله عليه) بعد لقاء ذلك الجيش الرجوع[2] ليس لاحتمال فسح المجال له وقبولهم بذلك، في محاولة للتراجع عن مقصده بعد أن ظهر له خطأ تقديره وحساباته، بل هو أشبه بطلب صوري إقامة للحجة، ومقدمة لا تفاقه مع الحر على أن يسير في طريق لا يوصله للكوفة ولا يرده للمدينة، بل ينتهي به إلى حيث انتهى. وقد تحقق له (عليه السلام) ما أقدم عليه.

 


[1] تاريخ الطبري ج: ٤ ص: ٣٠٢ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، واللفظ له، الإرشاد ج: ٢ ص: ٧٦-٧٧. وقد رواه مختصراً ابن الأثير في الكامل في التاريخ ج: ٤ ص: ٤٦ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة: ذكر مقتل الحسين (رضي الله عنه).

[2] تاريخ الطبري ج: ٤ ص: ٣٠٣ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة. الكامل في التاريخ ج: ٤ ص: ٤٧ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة: ذكر مقتل الحسين (رضي الله عنه).