الإخبار بنهضة المختار
وقال ميثم التمّار (رضوان الله عليه) - وهو من خواص أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) وحملة سرّه - للمختار بن أبي عبيدة الثقفي، وهما في حبس ابن زياد، قبل قتل الإمام الحسين (عليه السلام): ((إنك تفلت، وتخرج ثائراً بدم الحسين (عليه السلام) فتقتل هذا الجبار الذي نحن في سجنه، وتطأ بقدمك هذا على جبهته وخديه))[1] .
وقال ابن الكلبي وغيره: ((حلف ابن زياد ليقتلن المختار بن أبي عبيد، فسمع ذلك أسماء بن خارجة وعروة بن المغيرة فدخلا عليه [يعني: في السجن] فأخبراه بذلك، وقالا: أوصنا في مالك، واحفظ لسانك. فقال: كذب والله ابن مرجانة الزانية. والله لأقتلنه ولأضعن رجلي على خده. فقال أسماء: يا أبا إسحاق قد كانت تبلغنا عنك أشياء، فأما إذ سمعنا منك هذا القول فما فيك مستمتع، ثم نهضا متعجبين من قوله مستحمقين له. وبكرا إلى ابن زياد فإذا زائدة بن قدامة الثقفي قد دخل عليه بكتاب من يزيد بن معاوية يعلمه فيه أن عبد الله بن عمر كتب إليه فيه، ويعزم عليه أن يخلي سبيله... وقال للمختار: يا كذاب قد أجلتك ثلاثاً فلا تساكني ففكت قيوده بالعذيب))[2].
بل يبدو أن المختار قد أخذ من ميثم التمار أو من غيره من أصحاب أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) أموراً وتفاصيل أكثر من ذلك. فقد قال ابن العرق مولى ثقيف:
((أقبلت من الحجاز، حتى إذا كنت بالبسيطة من وراء واقصة، استقبلت المختار بن أبي عبيدة خارجاً يريد الحجاز، حين خلى سبيله ابن زیاد. فلما استقبلته رحبت به وعطفت إليه. فلما رأيت شَتَر عينه استرجعت له، وقلت له - بعدما توجعت له -: ما بال عينك صرف الله عنك السوء؟ قال: خَبَط عيني ابن الزانية بالقضيب خبطة صارت إلى ما ترى. فقلت له: ما له شلّت أنامله؟ فقال المختار: قتلني الله إن لم أقطع أنامله وأباجله[3] وأعضاءه إرباً إرباً)).
قال: ((فعجبت لمقالته، فقلت له: ما علمك بذلك رحمك الله؟ فقال لي: ما أقول لك فاحفظه عني حتى ترى مصداقه... يا ابن العرق إن الفتنة قد أرعدت وأبرقت. وكأن قد انبعثت، فوطئت في خطامها. فإذا رأيت ذلك و سمعت به بمكان قد ظهرت فيه، فقيل: إن المختار في عصائبه من المسلمين يطلب بدم المظلوم الشهيد المقتول بالطف سيد المسلمين وابن سيدها الحسين بن علي. فوربك لأقتلن بقتله عدة القتلى التي قتلت على دم يحيى بن زكريا(عليه السلام) )).
قال: ((فقلت له: سبحان الله، وهذه أعجوبة مع الأحدوثة الأولى. فقال: هو ما أقول لك. فاحفظه عني حتى ترى مصداقه، ثم حرك راحلته فمضى ...)). قال ابن العرق: ((فوالله ما متّ حتى رأيت كل ما قاله))[4] ... إلى غير ذلك مما ورد عن المختار[5].
ولم يقتصر النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل البيت (عليهم السلام) على الإخبار بأصل الحدث، بل زادوا على ذلك بأمرين:
[1] شرح نهج البلاغة ج: ۲ ص: ۲۹۳، واللفظ له. الإرشاد ج: ۱ ص: ٣٢٤. بحار الأنوار ج: ٤٥ ص: ٣٥٣. وقريب منه في الإصابة ج: ٦ ص: ٢٥٠ في ترجمة ميثم التمار الأسدي.
[2] أنساب الأشراف ج: ٥ ص: ٤١٣ في ترجمة عبيد الله بن زياد.
[3] الأباجل جمع الأيجل. وهو عرق غليظ في الرجل أو في اليد.
[4] تاريخ الطبري ج: ٤ ص: ٤٤٢-٤٤٣ أحداث سنة خمس وستين من الهجرة: مقدم المختار بن أبي عبيدة الكوفة، واللفظ له. الكامل في التاريخ ج: ٤ ص: ١٦٩ - ١٧٠ أحداث سنة أربع وستين من الهجرة: ذكر قدوم المختار الكوفة. الفتوح لا بن أعثم ج: ٥ ص: 167 - 168 ذكر هرب المختار من ابن زياد وما كان من بيعته لعبد الله بن الزبير. وذكره مختصراً باختلاف يسير في بحار الأنوار ج: ٤٥ ص: ٣٥٣-٣٥٤. واقتصر على الفقرة الأولى من كلامه في أنساب الأشراف ج: ٦ ص: ٣٧٦ أمر المختار بن عبيد وقصصه. ونظير ذلك ما نقله الخوارزمي عن محمد بن إسحق صاحب السيرة من حديث المختار مع صقعب بن زهير في واقصة. مقتل الحسين للخوارزمي ج: ۲ ص: ۱۷۸ – ۱۸۰ الفصل الخامس عشر في بيان انتقام المختار من قاتلي الحسين (عليه السلام).
[5] تاريخ الطبري ج: ٤ ص: ٤٤٤، ٤٤٧، ٤٤٩، ٤٥٠، ٤٥١ أحداث سنة خمس وستين من الهجرة: ذكر قدوم المختار الكوفة، وص: ٤٧١ ما كان من أمر التوابين وشخوصهم للطلب بدم الحسين بن علي إلى عبيد الله بن زياد. تاريخ اليعقوبي ج: ٢ ص: ٢٥٨ أيام مروان بن الحكم وعبد الله بن الزبير. الكامل في التاريخ ج: ٤ ص: ۱۷۰، ۱۷۱، ۱۷۳ ذكر قدوم المختار الكوفة، وص: ١٨٦ ذكر مسير التوابين وقتلهم. أنساب الأشراف ج: ٦ ص: ٣٨١ أمر المختار بن عبيد وقصصه.