منصبه الإلهيّ (عليه السلام)

في المعصومين.. هو السادس، وفي الأئمّة الهداة هو الرابع بعد: جدّه عليّ أمير المؤمنين، وعمّه الحسن المجتبى، وأبيه الحسين الشهيد صلوات الله عليهم جميعاً.

عاش مع جدّه الإمام عليّ  (عليه السلام) سنتين، ومع أبيه الإمام الحسين  (عليه السلام) ثلاثاً وعشرين سنة، وبعد أبيه أربعاً وثلاثين سنة ـ وهي مدّة إمامته  (عليه السلام).

إمامة الإمام السجاد  (عليه السلام):

تولّى الإمام السجاد (عليه السلام) الإمامة بعد استشهاد والده الإمام الحسين  (عليه السلام) في العاشر من المحرّم سنة 61ه‍، وله من العمر ثلاث وعشرين سنة، وامتدّت مدّة إمامته أربعاً وثلاثين سنة حتى استشهاده سنة 95ه‍.

النص العام على إمامته  (عليه السلام):

وأما النصوص على إمامته فإضافة إلى النصوص العامّة عن النبي (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) بأسماء الأئمة الاثني عشر(عليهم السلام) الواحد تلو الآخر، كما ذكر ذلك الخوارزمي الحنفي في كتابه (مقتل الحسين (عليه السلام): بسنده عن أبي سلمى، راعي إبل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: سمعت رسول الله  (صلى الله عليه وآله) يقول: (ليلة أُسري بي إلى السماء، قال لي الجليل جلّ وعلا: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيهِ مِن رَبِّهِ[1](

      قلت: والمؤمنون.

قال: صدقت يا محمّد  مَن خَلَّفت في أمّتك؟.

قلت: خيرها.

قال: عليّ بن أبي طالب؟

قلت: نعم، يا ربّ..

قال: يا محمّد إنّي اطّلعت إلى الأرض اطلاعة، فاخترتك منها، فشقـَقتُ لك اسماً من أسمائي، فلا أُذكَر في موضع إلاّ ذُكرتَ معي، فأنا المحمود وأنت محمّد  (صلى الله عليه وآله).

ثمّ اطّلعت الثانية، فاخترت عليّاً، وشققت له اسماً من أسمائي، فأنا الأعلى وهو عليّ.

يا محمّد إنّي خلقتك وخلقت عليّاً وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من ولده من سنخ نور من نوري، وعرضت ولايتكم على أهل السماوات وأهل الأرض، فمن قبلها كان عندي من المؤمنين، ومن جحدها كان عندي من الكافرين.

يا محمّد لو أنّ عبداً من عبيدي عبدني حتّى ينقطع ويصير كالشن[2] البالي، ثمّ أتاني جاحداً لولايتكم، ما غفرت له حتّى يقرَّ بولايتكم.

       يا محمّد أتحبّ أن تراهم؟

      قلت: نعم، يا ربّ.

فقال لي: التفت عن يمين العرش.

فالتفت، فإذا أنا بعليّ وفاطمة والحسن والحسين، وعليّ بن الحسين، ومحمّد بن عليّ، وجعفر بن محمّد، وموسى بن جعفر، وعليّ بن موسى، ومحمّد بن عليّ، وعليّ بن محمّد، والحسن بن عليّ، والمهدي في ضحضاح من نور قياماً يُصلّون، وفي وسطهم المهدي، كأنّه كوكب درّي.

قال: يا محمّد! هؤلاء الحجج، وهو الثائر من عترتك، وعزّتي وجلالي إنّه الحجّة الواجبة لأوليائي، والمنتقم من أعدائي)[3]

وهذا الحديث أيضاً رواه القندوزي الحنفي في (ينابيع المودّة)، وفيه: قال:  (يا محمّد هؤلاء حججي على عبادي وهم أوصياؤك...) [4] .

النص الخاص على إمامته  (عليه السلام):

وأما النصوص الخاصّة على إمامته، فقد حرص الإمام الحسين (عليه السلام) أن تنتقل مواريث الإمامة إلى ولده علي  (عليه السلام) من طرق عديدة تكون شاهدة على إمامته، علماً منه (عليه السلام) بما ستتعرّض له إمامة ولده من تشكيك.

فعن أبي جعفر الباقر  (عليه السلام) قال: (إنّ الحسين (عليه السلام) لمّا حضره الذي حضره دعا ابنته الكبرى فاطمة، فدفع إليها كتاباً ملفوفاً ووصيّة ظاهرة ووصيّة باطنة، وكان علي بن الحسين مبطوناً لا يرون إلاّ أنّه لما به، فدفعت فاطمة الكتاب إلى علي بن الحسين، ثمّ صار ذلك الكتاب إلينا، فقلت: فما في ذلك الكتاب؟ قال: فيه والله جميع ما يحتاج إليه ولد آدم إلى أن تفنى الدنيا )[5].

وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أيضاً: «لمّا توجّه الحسين (عليه السلام) إلى العراق، دفع إلى اُمّ سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وآله) الوصيّة والكتب وغير ذلك، وقال لها: إذا أتاك أكبر وُلدي فادفعي إليه ما دفعتُ إليك، فلمّا قُتل الحسين (عليه السلام) أتى علي بن الحسين اُمّ سلمة فدفعت إليه كلّ شيء أعطاها الحسين (عليه السلام)) [6]

وعلى الرغم من المرض الشديد الذي اُصيب به الإمام السجاد (عليه السلام) خلال واقعة الطف وبعدها نراه اضطلع بمهمة الإمامة في هداية الاُمّة وإرشادها على أتمّ وجه، ومع ذلك فقد نصّت إحدى الروايات على أنّ السيّدة زينب بنت علي (عليه السلام) قد كانت إلى فترة ما المفزع الذي يلجأ إليه الشيعة في تعيين ما يحتاجون إليه، فعن أحمد بن إبراهيم قال: دخلتُ على حكيمة بنت محمد بن علي الرضا اُخت أبي الحسن صاحب العسكر(عليهم السلام) فقلت: إلى مَن تفزع الشيعة؟ فقالت: إلى الجدّة اُمّ أبي محمّد  (عليه السلام)، فقلت لها: أقتدي بمَن وصيّته إلى امرأة؟ فقالت: اقتداءً بالحسين بن علي (عليه السلام)، والحسين بن علي (عليه السلام) أوصى إلى اُخته زينب بنتِ علي في الظاهر، وكان ما يخرج عن علي بن الحسين (عليه السلام) من علم يُنسب إلى زينب، ستراً على علي بن الحسين..)[7].

وعلى كلّ حال فقد واجه الشيعة بعد مقتل الإمام الحسين  (عليه السلام) محنة عظيمة في تشخيص الإمام والرجوع إليه بعد تخاذلهم عن نصرته والموت دونه، ولظروف الإرهاب الشديدة التي كانت حائلاً دون إظهار الإمام السجاد (عليه السلام) لإمامته، ولاضطراب الأوضاع السياسية اضطراباً كبيراً وتشعّب الاتّجاهات السياسية التي تصدّت لقيادة الجماهير.

وهذه هي التجربة الأولى التي يمرّ بها الشيعة في تحديد هوية الإمام، إذ أنّ إمامة أمير المؤمنين وولديه الحسن والحسين (عليهم السلام) كانت ظاهرة لجميع المسلمين، ولم يكن يسع الإمام السجاد  (عليه السلام) أن يُعلن إمامته جهراً أمام الشيعة فضلاً عن باقي المسلمين، حذراً من المصير المحتوم الذي سيواجهه لو فعل ذلك، ولذا عمد إلى إعلان إمامته لخواص الشيعة وبشكل تدريجي وخلال فترة طويلة حتى استقرّت إمامته وتسالم الشيعة على الرجوع إليه.

 


[1] سورة البقرة: آية 285.

[2] الشن: القِربة من الجلد المدبوغ.

[3] بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج27، ص200.

[4] ينابيع المودّة للقندوزي الحنفي: ج3، ص381.

[5] الكافي للشيخ الكليني:ج1،ص291.

[6] الغيبة للشيخ الطوسي:ص195.

[7] الغيبة للشيخ الطوسي: ص230.