الجو الديني الذي عاشه الإمام الحسين (عليه السلام) وأصحابه[1]
وفي مقابل ذلك كله كان الإمام الحسين (صلوات الله عليه) ومن معه يذكّرون بالله عزّ وجلّ ويدعون إليه، ويحذرون من عذابه وانتقامه. ويلهجون بذكره واللجأ إليه والتوكل عليه، ويرددون الرضا بما يختاره لهم، ويحتسبون مصائبهم في سبيله تعالى. ويؤكدون أن هدفهم إحقاق الحق وإبطال الباطل، وأن همهم رضا الله سبحانه، وأداء حق النبي (صلى الله عليه وآله) في أهل بيته، ونحو ذلك. مع ما ظهر من استجابة دعائهم على أعدائهم في المعركة [2] وبعدها [3].
وقد زاد ذلك في البعد الديني لنهضة الإمام الحسين (عليه السلام). فهو الممثل الحقيقي للدين الحنيف، والداعي إليه. ولم ينهض في وجه مسلمين مؤمنين من أجل الصراع على السلطة، كما قد يزعمون، ولا لمجرد انحرافهم عملياً عن تعاليم الإسلام، كما قد يظهر بدواً.
وإنما نهض في وجه منافقين، يبطنون الكفر، ويظهرون الإسلام من أجل الوصول للحكم، والحفاظ عليه. فلا يؤمن منهم دفع المجتمع الإسلامي نحو الكفر والتخلي عن الإسلام تدريجياً لو تيسر لهم ذلك.
وذلك في الحقيقة كان معروفاً للخاصة من مواقف أهل البيت (صلوات الله عليهم) وسلوكهم، ومن منهج معاوية والأمويين عامة، ومن سلوكهم وتعاملهم مع مفردات الإسلام ورموزه. إلا أن مثل هذه التصريحات تزيد ذلك وضوحاً وجلاءً، وتعطي للنهضة المباركة والجريمة الأمويين بعداً عقائدياً يزيد في نقمة المسلمين عموماً عليهم، ويسد باب الاعتذار عنهم.
الرابع: انتهاك الأمويين لشهر المحرم الذي هو من الأشهر الحرم التي حرّم فيها البدء بالقتال في الجاهلية، فضلاً عن الإسلام. ولذا أمهل أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في صفين معاوية وأصحابه ولم يقاتلهم حتى خرج شهر المحرم حفظاً لحرمته[4].
وفي معتبر الريان بن شبيب قال: ((دخلت على الرضا (عليه السلام) في أول يوم من المحرم فقال لي: أصائم أنت؟ فقلت: لا ... ثم قال: يا ابن شبيب إن المحرم هو الشهر الذي كان أهل الجاهلية فيما مضى يحرمون فيه الظلم والقتال لحرمته. فما عرفت هذه الأمة حرمة شهرها، ولا حرمة نبيها (صلى الله عليه وآله). لقد قتلوا في هذا الشهر ذريته، وسبوا نساءه، وانتهبوا ثقله. فلا غفر الله لهم ذلك أبداً. يا ابن شبيب إن كنت باكياً لشيء فابك للحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) فإنه ذبح كما يذبح الكبش. وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلا ما لهم في الأرض شبيه. ولقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتله ...))[5].
[1] السيد محمد سعيد الحكيم، فاجعة الطف، الطبعة السابعة، 1442هـ-2021م، القسم الأول: ص96.
[2] المصنف لابن أبي شيبة ج: ٨ ص: ٦٣٣ كتاب المغازي: من كره الخروج في الفتنة وتعوذ عنها. مجمع الزوائدج : ٩ ص: ۱۹۳ كتاب المناقب: باب مناقب الحسين بن علي (عليهما السلام). المعجم الكبير ج: ٣ ص: ١١٤، ١١٧ مسند الحسين بن علي: ذكر مولده وصفته، إكمال الكمال ج: ٢ ص: ٥٧١ في باب حويزة. تاريخ الطبري ج: ٤ ص: ۳۲۸ -۳۲۹ أحداث مسنة إحدى وستين من الهجرة. الكامل في التاريخ ج: ٤ ص: ٦٦-٦٧ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة: ذكر مقتل الحسين (رضي الله عنه). تاريخ دمشق ج: ١٤ ص: ٢٣٣، ٢٣٥ في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب. الفتوح لابن أعثم ج: ٥ ص: ۱۰۸ ذکر اجتماع العسكر إلى حرب الحسين بن علي (رضي الله عنه)، ص: ۱۳۰ تسمية من قتل بين يدي الحسين من ولده واخوانه وبني عمه (رضي الله عنهم). مقتل الحسين المخوارزمي ج: ٢ ص ٢٤٩. بحار الأنوار ج: ٤٥ ص: ٣٠١. وغيرها من المصادر الكثيرة.
[3] سير أعلام النبلاء ج ۳ ص: ۳۱۱ في ترجمة الحسين الشهيد. تهذيب الكمال ج: ٦ ص: ٤٣٠ في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب. تاريخ الطبري ج: ٤ ص: ٣١٢ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة. الكامل في التاريخ ج: ٤ ص: ٥٣- ٥٤ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة: ذكر مقتل الحسين (رضي الله عنه). مقتل الحسين للخوارزمي ج: ٢ ص: ٣٥، وغيرها من المصادر.
[4] وقعة صفين ص: ۲۰۲. الفتوح لابن أعثم ج: ٣ ص: ۲۱ ذكر الوقعة الثانية بصفين. شرح نهج البلاغة ج: ٤ ص: ٢٥ من أخبار يوم صفين. الأخبار الطوال ص: ۱۷۱ وقعة صفين. بحار الأنوار ج: ٣٢ ص: ٤٥٧.
[5] الأمالي للصدوق ص: ۱۹۲ المجلس السابع والعشرون: حديث الرضا (عليه السلام) عن يوم عاشوراء. عيون أخبار الرضا (عليه السلام) ج: ٢ ص: ٢٦٨. بحار الأنوار ج: ٤٤ ص: ٢٨٦. إقبال الأعمال ج: ٣ ص: ۲۹ فيما نذكره من عمل أول ليلة المحرم.