كان الإمام الحسين مسالماً في دعوته للإصلاح[1]
ويزيد في الأمر أن الإمام الحسين (صلوات الله عليه) حينما رفع مشروعه الإصلاحي لم يرفعه بلسان الإلزام والتهديد، ولم يلجأ فيه للف والدوران والمكر والخديعة من أجل الاستيلاء على السلطة، بل بلسان النصيحة والتذكير. فهو (عليه السلام) يقول في وصيته لأخيه محمد بن الحنفية:
((وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي (صلى الله عليه وآله) أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر... فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين)[2].
كما أنه (عليه السلام) لم يختر الكوفة من أجل أن يخرج أهلها من طاعة يزيد لطاعته، ويرغمهم على ذلك، بل لامتناعهم بأنفسهم من القبول ببيعة يزيد. فقد تضمنت كتبهم: ((إنه ليس علينا إمام. فأقبل، لعل الله أن يجمعنا بك على الحق. والنعمان ابن بشير في قصر الإمارة، لسنا نجتمع معه في جمعة، ولا نخرج معه إلى عيد...)[3]. و: ((أما بعد فحي هلا، فإن الناس ينتظرونك، لا إمام لهم غيرك...))[4]. و : ((أما بعد فقد اخضر الجناب، وأينعت الثمار. وطمت الجمام [5] فإذا شئت فاقدم علينا، فإنما تقدم على جند لك مجند [6]. ونحو ذلك.
وقد جاء في كتابه (صلوات الله عليه ) الذي كتبه لهم مع مسلم بن عقيل(عليه السلام): ((وقد فهمت كل الذي اقتصصتم وذكرتم، ومقالة جلكم: إنه ليس علينا إمام. فأقبل، لعل الله أن يجمعنا بك على الهدى والحق. وإني باعث إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي، فإن كتب إلي أنه قد اجتمع رأي ملئكم وذوي الحجا والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم، وقرأت في كتبكم، أقدم عليكم وشيكاً إن شاء الله...))[7] .
ولما التقى بالحر وأصحابه في الطريق خطبهم، فقال: ((أيها الناس إنها معذرة إلى الله وإليكم. إني لم أتكم حتى أتتني كتبكم ورسلكم أن أقدم علينا، فليس لنا إمام، لعل الله أن يجعلنا بك على الهدى. فقد جئتكم، فإن تعطوني ما أطمئن إليه من عهودكم أقدم مصركم، وإن لم تفعلوا، أو كنتم المقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي أقبلت منه)) [8]. وخطبهم خطبة أخرى بعد صلاة العصر تتضمن ذلك أيضاً [9].
وحينما ورد عليه عمر بن سعد بجيشه أرسل إليه قرة بن قيس الحنظلي ليسأله عما جاء به وماذا يريد، فقال (عليه السلام) له: ((كتب إليّ أهل مصركم هذا أن اقدم. فأما إذ كرهتموني فأنا أنصرف عنكم))[10].
وفي حديث عقبة بن سمعان مولى الرباب زوجة الحسين (عليه السلام) - وكان قد صحب الإمام الحسين (صلوات الله عليه) في مسيرته الطويلة من المدينة إلى حين مقتله - أنه (عليه السلام) قال: ((دعوني أرجع إلى المكان الذي أقبلت منه، أو دعوني أذهب في هذه الأرض العريضة حتى ننظر إلى ما يصير إليه أمر الناس)) [11].
ومن هنا لم يقع منه ما يستحق به العقاب والتنكيل، فضلاً عن تلك الجرائم الوحشية التي قام بها الأمويون، والتي هزت ضمير المسلمين.
وبعد ذلك كله فلنستعرض بإيجاز الجرائم المذكورة.
[1] [1] السيد محمد سعيد الحكيم، فاجعة الطف، الطبعة السابعة، 1442هـ-2021م، القسم الأول: ص63.
[2] تأتي مصادره في أوائل المقام الثاني في الجانب العاطفي.
[3] تاريخ الطبري: ج٤ ص: ٢٦٢ أحداث سنة ستين من الهجرة ذكر الخبر عن مراسلة الكوفيين الحسين (الحسين) للمصير إلى ما قبلهم وأمر مسلم بن عقيل(رضي الله عنه)، واللفظ له. أنساب الأشراف: ج٣ ص: ٣٦٩ أمر الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام). الكامل في التاريخ: ج٤ ص: ٢٠ أحداث سنة ستين من الهجرة: ذكر الخبر عن مراسلة الكوفيين الحسين بن علي تيسير إليهم وقتل مسلم بن عقيل. الإمامة والسياسة: ج٢ ص: ٤ ولاية الوليد المدينة وخروج الحسين بن علي. الإرشاد للشيخ المفيد ج ۲ ص: ٣٧. وغيرها من المصادر.
[4] تاريخ اليعقوبي: ج٢ ص: ٢٤٢ أيام يزيد بن معاوية، واللفظ له، أنساب الأشراف: ج٣ ص: ۳۷۰ أمر الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام). ومثله في الإرشاد ج ۲ ص: ٣٨ إلا إنه بدل قوله: ((لا إمام لهم غيرك)) ((لا رأي لهم غيرك)) وكذا في تاريخ الطبري: ج٤ ص: ٢٦٢ أحداث سنة ستين من الهجرة: ذكر الخبر عن مراسلة الكوفيين الحسين (عليه السلام) للمصير إلى ما قبلهم وأمر مسلم بن عقيل (رضي الله عنه)، والفصول المهمة ج ۲ ص: ۷۸۷ الفصل الثالث: فصل في مخرجه (عليه السلام) إلى العراق، والفتوح لابن أعثم: ج٥ ص: ٣٣ ذكر أخبار الكوفة وما كان من كتبهم إلى الحسين بن علي (عليهما السلام)، وغيرها من المصادر.
[5] طما البحر والنهر: امتلأ. والجمام جمع جَمة: البئر الكثيرة الماء. والمراد الكناية عن حصول الوقت المناسب للعمل وتوفر آليات النجاح وأسبابه.
[6] أنساب الأشراف: ج٣ ص: ٣٧٠ أمر الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) الله، واللفظ له. الإرشاد: ج٢ ص: ۳۸. إعلام الورى بأعلام الهدى ج ١ ص: ٤٣٦. تاريخ الطبري: ج٤ ص: ٢٦٢ أحداث سنة ستين من الهجرة: ذكر الخبر عن مراسلة الكوفيين الحسين (عليه السلام) للمصير إلى ما قبلهم وأمر مسلم بن عقيل(رضي الله عنه). الفتوح لابن أعثم: ج٥ ص: ٣٣ ذكر أخبار الكوفة وما كان من كتبهم إلى الحسين بن علي (عليهما السلام) . وغيرها من المصادر.
[7] الإرشاد ج ۲ ص: ۳۹، واللفظ له تاريخ الطبري: ج٤ ص: ٢٦٢ أحداث سنة ستين من الهجرة: ذكر الخبر عن مراسلة الكوفيين الحسين (عليه السلام) للمصير إلى ما قبلهم وأمر مسلم بن عقيل (عليه السلام).
[8] الكامل في التاريخ: ج٤ ص: ٤٧ أحداث سنة ستين من الهجرة ذكر مقتل الحسين(رضي الله عنه)، واللفظ له. تاريخ الطبري: ج٤ ص: ٣٠٣ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة. الفتوح لابن أعثم: ج٥ ص: ٨٦ ذكر آخر بن يزيد الرياحي لما بعثه عبيد الله بن زياد خربه الحسين بن علي (رضي الله عنهما). الإرشاد: ج٢ ص: ۷۹. وغيرها من المصادر
[9] الإرشاد ج ۲ ص: ٧٩. تاريخ الطبري: ج٤ ص: ٣٠٣ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة. الكامل في التاريخ: ج٤ ص: ٤٧ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة: مقتل الحسين(رضي الله عنه).
[10] الإرشاد ج ۲ ص: ٨٥، واللفظ له. الفتوح لا بن أعثم ج 5 ص: 97 - 98 ذکر نزول الحسين (رضي الله عنه) بكربلاء. تاريخ الطبري: ج٤ ص: ٣١١ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة. الكامل في التاريخ: ج٤ ص: ٥٣ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ذكر مقتل الحسين(رضي الله عنه). وغيرها من المصادر.
[11] الكامل في التاريخ: ج٤ ص: 54 - 55 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة: ذكر مقتل الحسين(رضي الله عنه)، واللفظ له. تاريخ الطبري: ج٤ ص: ٣١٣ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة. البداية والنهاية: ج۸ ص: ۱۹۰ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة: صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمة الشأن.