استنكار جمهور المسلمين لعهد معاوية ليزيد

استنكار جمهور المسلمين لعهد معاوية ليزيد[1]

أما الجمهور فخلافتهم وإن ابتنت على عدم الانضباط بنظام محدد، بل جروا أخيراً على شرعية الإمامة المبنية على النص بولاية العهد من السابق للاحق، بلحاظ قربه النسبي منه، بغض النظر عن مؤهلاته الشخصية، إلا أنهم استنكروا عهد معاوية لابنه يزيد بالخلافة في وقته.

 أولاً: لأنه أول من فتح هذا الباب، وتجاهل سيرة من قبله من خلفائهم، خصوصاً الشيخين اللذين لهما مكانة خاصة في نفوسهم.

 ولاسيما أن من جملة دوافع قريش لصرف الخلافة عن أهل البيت (صلوات الله عليهم) هو علمهم بأنها إذا صارت لهم لم تخرج عنهم، حتى قال قائلهم: «وسّعوها في قريش تتسع»[2]. فإذا فتح الباب لولاية العهد بقيت في آل معاوية، ولم تخرج عنهم لبطون قريش، وهو عين ما فروا منه.

 وثانياً: لا بتنائها على الإرغام والقسر، والاستعانة على ذلك بالترغيب والترهيب والخداع والمكر، كما يظهر بأدنى نظر في تاريخها. وإذا غضّت قريش النظر عن ذلك في حق الأولين، لأنه يوافق مصلحتها في صرف الخلافة عن بني هاشم، فهي لا تقبله من معاوية بعد أن كان يضّر بمصالحها.

كما أن عموم المسلمين إذا غضّوا النظر عنه في حق الأولين، لجهلهم بما حصل في وقته من نزاع وصراع، أو لحبهم لهم، أو حسن ظنهم بهم - لما يأتي من دواعي ذلك في حقهم - فهم لا يرتضونه من معاوية، لعدم الموجب لذلك.

وثالثاً: لعدم مناسبة واقع يزيد وسلوكه المشين للخلافة. خصوصاً مع وجود جماعة من أعيان الصحابة وأولاد المهاجرين الأولين، لهم المقام الاجتماعي الرفيع، والمكانة العليا في النفوس. وعلى رأسهم الإمام الحسين (صلوات الله عليه).

وقد أكد ذلك أن تجربة أبيه معاوية في الحكم - الذي تسلط بالقوة والقهر والخداع والمكر - كانت مرّة على المسلمين في الجانبين الديني والمادي، كما يظهر بأدنى نظر في سيرته، وكان المنتظر من يزيد أن يزيدَ على أبيه في معاناة المسلمين في دينهم ودنياهم.

وإذا كان بعض متأخري الجمهور يحاول الدفاع عن بيعة يزيد، وإضفاء الشرعية عليها، بعد أن شاعت هذه الأمور في الخلفاء وألفها الناس، فهو يخالف ما عليه ذوو المقام والمكانة في المسلمين في الصدر الأول، بل حتى عامة الناس.

ولذا لم يثبت بوجه معتد به أن شخصاً منهم حاول ردع الإمام الحسين (عليه السلام) عن الخروج ببيان شرعية خلافة يزيد. وكل من أشار عليه بترك الخروج فإنما أشار عليه لخوفه عليه من فشل مشروعه، ومن غشم الأمويين الذين لا يقفون عند حدّ في تحقيق مقاصدهم والإيقاع بمن يقف في طريقهم.

غاية الأمر أنه قد ينسب لبعض الناس أنه أضاف إلى ذلك التذكير بمحذور شق كلمة الأمة وتفريق جماعتها، كما يأتي إن شاء الله تعالى.

ولذا لا ريب عند خاصة المسلمين، وذوي المقام الرفيع عند الجمهور ممن عاصر الحدث، في أن خروج الإمام الحسين (صلوات الله عليه) لم يكن جريمة منه يستحق عليها العقاب، فضلاً عن القتل وما استتبعه من الجرائم، بل كل ما وقع عليه هو عدوان من الأمويين، وإجرام منهم.

 


[1] السيد محمد سعيد الحكيم، فاجعة الطف، الطبعة السابعة، 1442هـ-2021م، القسم الأول: ص61.

[2] شرح نهج البلاغة: ج٦ ص: ٤٣.