تاريخ شهادته(عليه السلام) ومكانها: 10 محرّم 61ﻫ، كربلاء المقدّسة.
سبب شهادته(عليه السلام):
قُتل(عليه السلام) شهيداً في معركة كربلاء وهو يدافع عن دين جدّه محمّد(صلى الله عليه وآله).
ليلة العاشر: قضى الإمام الحسين(عليه السلام) وأصحابه« ليلة العاشر من المحرّم بالصلاة والدعاء، وقراءة القرآن، وكان لهم دويٌّ كدويّ النحل، كما كانوا يصلحون سيوفهم ورماحهم استعداداً للقاء القوم.
يوم العاشر:
طلب الإمام الحسين(عليه السلام) في صباح اليوم العاشر ـ إتماماً للحُجّة على أعدائه ـ من جيش يزيد، أن ينصتوا إليه لكي يكلّمهم، إلّا أنّهم أبوا ذلك، وعلا ضجيجهم، وفي النهاية سكتوا، فخطب فيهم معاتباً لهم على دعوتهم له، وتخاذلهم عنه، كما حدّثهم(عليه السلام) بما سيقع لهم بعد قتله على أيدي الظالمين، من ولاة بني أُمية، ممّا عهد إليه من جدّه رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وأبيه أمير المؤمنين(عليه السلام)، وهو ما تحقّق فعلاً.
وخصّ في ذلك عمر بن سعد، الذي كان يزيد يمنّيه بجعله والياً على الرّي وجرجان، بأنّ حلمه ذاك لن يتحقّق، وأنّه سوف يُقتل، ويُرفع رأسه على الرمح.
خطبته(عليه السلام) يوم العاشر:
عاد الإمام الحسين(عليه السلام) مرّة أُخرى على ظهر فرسه، ووقف أمام الجيش الأُموي، وخاطبهم قائلاً: (أمّا بَعد، فانسبونِي فانظُروا مَن أنَا؟ ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها، فانظروا هَلْ يحلُّ لَكُم قتلي وانتهاكُ حُرمتي؟
ألسْتُ ابن بنتِ نبيِّكم (صلى الله عليه وآله)، وابن وصيِّه وابن عمِّه، وأوّل المؤمنين بالله، والمصدِّق لِرسولِه بما جاء من عند رَبِّه؟ أوَ ليس حمزة سَيِّد الشهداء عَمّ أبي؟ أو ليسَ جَعفر الشهيد الطيّار ذو الجناحين عَمِّي؟ أوَ لَمْ يَبلُغْكُم قول مُستفيض فيكم: إنّ رسولَ الله(صلى الله عليه وآله) قال لي ولأخي: هَذان سَيِّدا شَبَاب أهل الجنّة؟...)[1].
هجوم الأعداء:
استحوذ الشيطان على عمر بن سعد ـ قائد الجيش ـ فوضع سهمه في كبد قوسه، ثمّ رمى مخيّم الإمام الحسين(عليه السلام) وقال: (اِشهدُوا أنّي أوّل مَن رمى)، فتبِعَه جنده يُمطرون آل الرسول(صلى الله عليه وآله) بوابل من السهام، فعظم الموقف على الإمام الحسين(عليه السلام)، ثمّ خاطب أصحابه قائلاً: (قُومُوا رَحِمكم الله إلى الموتِ الذي لا بدّ منه، فإنّ هذه السهام رُسل القوم إليكم)[2]، فلبّوا«النداء، وانطلقوا كالأُسود يحاربون العدوّ، فاستمرت رحى الحرب تدور في ميدان كربلاء، وبدأ أصحاب الحسين(عليه السلام) يتساقطون الواحد تلو الآخر، وقد أرهقوا جيش العدوّ وأثخنوه بالجراح، فتصايَح رجال عمر بن سعد: لو استمرّت الحربُ بَيننا، لأتوا على آخرنا، لِنَهجم عليهم مَرّة واحدة، ولِنرشُفهُم بالنِبال والحجارة.
واستمرّ الهجوم والزحف نحو من بقي مع الإمام الحسين(عليه السلام)، وأحاطوا بهم من جهات متعدّدة، فتعالت أصوات ابن سعد ونداءاته إلى جيشه، وقد دخل المعسكر يقتل وينهب، ويقول: (اِحرقوا الخيام).
فضجّت النساء، وتصارخ الأطفال، وعلا الضجيج، وراحت ألسِنة النار تلتهم المخيّم، وسكّانه يفرُّون فزعين مرعوبين، فلم يهدأ سعير المعركة، وراح مَن بقي من أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام) وأهل بيته يستشهدون الواحد تلو الآخر.
فاستُشهد ولده عليّ الأكبر وإخوته، وأبناء أخيه وابن أُخته، وآل عقيل وآل عليّ (عليه السلام)، مجزّرين كالأضاحي، وهم يتناثرون في أرض المعركة، وكذا بدأ شلّال الدم ينحدر على أرض كربلاء، وصيحات العطش والرعب تتعالى من حناجر النساء والأطفال.
فركب الإمام الحسين(عليه السلام) جواده، يتقدّمه أخوه العباس(عليه السلام)، وتوجّه نحو نهر الفرات؛ ليحمل الماء إلى العيال، فحالت حشود العدوّ دونه، فأصبح هو في جانب وأخوه في جانب آخر، وكانت للبطل الشجاع أبي الفضل العباس(عليه السلام) صولة ومعركة حامية، طارت فيها رؤوس، وتساقطت فرسان، وهو يصول ويجول في ميدان الجهاد بعيداً عن أخيه، حتّى خرّ صريعاً سابحاً بدم الشهادة.
وتعلّق قلب الإمام الحسين(عليه السلام) بمخيّمه، وما خلّفت النار والسيوف بأهله وحرمه، فراح(عليه السلام) ينادي، وقد طوّقته قوّات الأعداء وحالت بينه وبينهم، فصاح بهم: (أنَا الّذي أقاتِلُكم وتقاتلوني، والنِساء لَيسَ عَليهنّ جُناح، فامْنَعوا عُتاتكم وجهّالكم وطغاتكم من التعرُّض لحَرَمي ما دُمتُ حَيّاً)[3].
إلّا أنّهم استمرّوا في هجومهم على المخيّم، ولم يعبئوا لكلامه(عليه السلام)، فاستمرّ الهجوم عنيفاً، والإمام(عليه السلام) منهمك في قتال أعدائه، إلى أن سدّد له أحد الأجلاف سهماً واستقرّ في نحره الشريف، ثمّ راحت السيوف والرماح تنزل عليه كالمطر الغزير، فلم يستطع(عليه السلام) مقاومة الألم والنزف، فوقع على الأرض، ولم يكفُّوا عنه، لأنّ روح الحقد والوحشية التي امتلأت بها جوانحهم لم تسمح بذلك، بل راح الملعون شمر بن ذي الجوشن، يحمل سيفه ليقطع غصناً من شجرة النبوّة، وليثكل الزهراء(عليها السلام) بعزيزها، ففصل الرأس الشريف عن الجسد، ليحمله هدية للطاغية يزيد، ذلك الرأس الذي طالما سجد لله، وحمل اللّسان الذي ما فتئ يردّد ذكر الله، وينادي(عليه السلام): (لا أعطِيكُم بِيَدي إِعطَاء الذليل، ولا أقرُّ إِقرَار العبيد)[4]، الرأس الذي حمل العزّ والإباء، ورفض أن ينحني للعتاة أو يطأطئ جبهته للظالمين.
ثمّ حلّ السكون على أرض كربلاء الطاهرة، فأتت العقيلة زينب الكبرى(عليها السلام)
إلى الميدان حتّى وقفت على جسد أخيها الحسين(عليه السلام)، ثمّ قالت: (اللّهمّ تقبّل منّا هذا القربان)[5].