أحاطت بالإمام الحسين(عليه السلام) عِدَّة من المسؤوليات الدينية والواجبات الاجتماعية وغيرها من الأسباب المُحَفِّزَة لثورته، فدفعته (عليه السلام) إلى التضحية والفداء، وهذه بعض تلك المسؤوليات والواجبات والأسباب:
الأولى: المسؤولية الدينية:
لقد كان الواجب الديني يحتم عليه (عليه السلام) القيام بوجه الحكم الأموي الذي استحلَّ حُرُمَات الله، ونكث عهوده وخالف سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله).
الثانية: المسؤولية الاجتماعية:
كان الإمام (عليه السلام) بحكم مركزه الاجتماعي مسؤولاً أمام الأمة عما مُنِيَت به من الظلم والاضطهاد من قبل الأمويين، ومن هو أولى منه بحمايتها وَرَدِ الاعتداء عنها؟! فنهض(عليه السلام) بأعباء هذه المسؤولية الكبرى، وأدى رسالته بأمانة وإخلاص، وَضَحَّى(عليه السلام) بنفسه وأهل بيته وأصحابه ليعيد عدالة الإسلام وحكم القرآن.
الثالثة: قيام الحجة عليه (عليه السلام):
وقامت الحجة على الإمام (عليه السلام) لإعلان الجهاد، ومحاربة قُوَى البغي والإلحاد، فقد تواترت عليه الرسائل والوفود من أهل الكوفة، وكانت تُحَمِّلُه المسؤولية أمام الله إن لم يستجب لدعواتهم المُلِحَّة لإنقاذهم من ظلم الأمويين وَبَغيِهِم.
الرابعة: حماية الإسلام:
ومن الأسباب التي ثار من أجلها (عليه السلام) هي حماية الإسلام من خطر الحكم الأموي الذي جَهد على مَحْوِهِ، وقلع جذوره، فقد تربى يزيد على الكفر والإلحاد وقد ظهر جلياً في كلامه حين قال: (لَعِبتْ هاشمُ بِالمُلك فَلا خَبَرٌ جاءَ وَلا وَحْيٌ نَزَلْ)، وكشف هذا الشعر عن العقيدة الجاهلية التي كان يدين بها يزيد فهو لم يؤمن بوحي ولا كتاب، ولا جَنَّة ولا نار.
الخامسة: صيانة الخلافة:
ومن جملة الأسباب التي ثار من أجلها (عليه السلام) تطهير الخلافة الإسلامية من أرجاس الأمويين الذين نَزَوا عليها بغير حق، فلم تعد الخلافة في عهدهم - كما يريدها الإسلام - وسيلة لتحقيق العدل الاجتماعي بين الناس، والقضاء على جميع أسباب التخلف والفساد في الأرض، وقد رأى الإمام (عليه السلام) أن مركز جَدِّهِ قد صار إلى سِكِّيرٍ مُستَهترٍ لا يَعي إلا شهواته ورغباته، فثار (عليه السلام)
ليعيد للخلافة الإسلامية كيانها المُشرِق إبان حكم أمير المؤمنين (عليه السلام).
السادسة: تحرير إرادة الأمة:
لم تملك الأمة في عهد معاوية ويزيد إرادتها واختيارها، فقد كُبِّلَتْ بقيُودٍ ثقيلة سَدَّت في وجهِهَا منافذ النور والوَعي، وَحِيلَ بينها وبين إرادتها، وقد هَبَّ الإمام (عليه السلام) إلى ساحات الجهاد والفداء، لِيُغذي المسلمين بروح العِزَّة والكرامة، فكان مقتله (عليه السلام) نُقطَةَ تَحَوُّلٍ في تاريخ المسلمين وحياتهم.
السابعة: تحرير اقتصاد الأمة:
ومن الأسباب انهيار اقتصاد الأمة الذي هو شرايين حياتها الاجتماعية والفردية، فقد عمد الأمويون إلى نهب الخزينة المركزية، وقد أعلن معاوية أمام المسلمين أن المال مال الله، وليس مال المسلمين فهو أحق به، فثار (عليه السلام) ليحمي اقتصاد الأمة، ويعيد توازن حياتها المعاشية.
الثامنة: المظالم الاجتماعية:
انتشرت المظالم الاجتماعية في أنحاء البلاد الإسلامية، فلم يَعُد قُطْرٌ من الأقطار إلا وهو يَعُجُّ بالظلم والاضطهاد من جَورِهِم، فهب الإمام (عليه السلام) في ميادين الجهاد ليفتح للمسلمين أبواب العزة والكرامة، ويحطم عنهم ذلك الكابوس المظلم.
التاسعة: المظالم الهائلة على الشيعة:
لقد كانت الإجراءات القاسية التي اتخذها الحكم الأموي ضد الشيعة من أسباب ثورته (عليه السلام)، فَهَبَّ لإنقاذهم من واقعهم المَرِير، وحمايتهم من الجَورِ والظلم.
العاشرة: محو ذكر أهل البيت (عليهم السلام):
ومن جملة الأسباب التي ثار من أجلها (عليه السلام) هو أن الحكم الأموي قد جهد على محو ذكر أهل البيت (عليه السلام)، واستئصال مَآثِرِهم ومناقبهم، وقد استخدم معاوية في هذا السبيل أخبث الوسائل، وكان (عليه السلام) يود أن الموت قد وافاه، ولا يسمعُ سَبَّ أبيهِ (عليه السلام) على المنابر والمآذن.
الحادية عشر: تدمير القِيَم الإسلامية:
وعَمِدَ الأمويون إلى تدمير القِيَم الإسلامية، فلم يَعد لها أي ظِلٍّ على واقع الحياة الإسلامية.
الثانية عشر: اِنهيار المجتمع:
فقد انهار المجتمع في عصر الأمويين، وتحلل من جميع القيم الإسلامية، فثار (عليه السلام) ليقضي على التَذَبْذُبِ والانحراف الذي مُنِيتْ بِهِ الأمَّة.
الثالثة عشر: الدفاع عن حقوقه (عليه السلام):
وانبرى الإمام (عليه السلام) للجهاد دفاعاً عن حقوقه التي نهبها الأمويون واغتصبوها، وأهمُّها: الخلافة، لأنه (عليه السلام) هو الخليفة الشرعي بمقتضى معاهدة الصلح التي تم الاتفاق عليها، وعلى هذا فلم تكن بيعة يزيد شرعية، فلم يخرج الإمام (عليه السلام) على إمام من أئمة المسلمين، كما يذهب لذلك بعض ذوي النزعات الأموية، وإنما خرج على ظالم مُغتَصِبٍ لِحَقِّهِ.
الرابعة عشر: الأمر بالمعروف:
ومن أوْكَد الأسباب التي ثار من أجلها (عليه السلام) إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنهما من مُقَوِّمَات هذا الدين، والإمام (عليه السلام) بالدرجة الأولى مَسؤُول عَنهُمَا، وقد أدلى (عليه السلام) بذلك في وصيته لأخيه ابن الحنفية، التي أعلن فيها عن أسباب خروجه على يزيد، فقال (عليه السلام): (وإنِّي لم أخرج أشِراً ولا بَطِراً، ولا مُفسِداً ولا ظَالِماً، وإنّما خرجتُ لطلب الإصلاح في أُمّة جَدِّي (صلى الله عليه وآله)، أُريدُ أنْ آمُرَ بالمعروفِ وأنْهَى عنِ المنكر، وأسيرُ بِسيرَةِ جَدِّي، وأبي علي بن أبي طَالِب)[1].
الخامسة عشر: إِمَاتَة البِدَع:
وعمد الحكم الأموي إلى نشر البِدَع بين المسلمين، وَالتي لم يُقصَدُ منها إلا مَحْقُ الإِسلام، وإلحاق الهزيمة به، وقد أشار (عليه السلام) إلى ذلك في رسالته التي بعثها لأهل البصرة: (فَإِنَّ السُّنَّةَ قَد أُمِيتَتْ وَالبِدْعَةَ قَدْ أُحْيِيَتْ)[2]، فقد ثار (عليه السلام) ليقضي على البِدَع الجاهلية التي تَبَنَّاهَا الأَمَوِيُّون، ويحيي سُنَّةَ جَدِّه (صلى الله عليه وآله) التي أماتوها، ولِيَنشرَ رايةَ الإِسلام.
السادسة عشر: العهد النبوي:
واستَشَفَّ النبي (صلى الله عليه وآله) من وراء الغيب ما يُمنَى بِهِ الإسلام من الأخطار الهائلة على أيدي الأمويين، وأنه لا يمكن بأي حال تجديد رسالته وتخليد مبادئه إلا بتضحية ولده الحسين (عليه السلام)، فعهد إليه بالتضحية والفداء، وقد أدلى الحسين (عليه السلام)
بذلك حينما عذله المشفقون عليه من الخروج إلى العراق فقال (عليه السلام) لهم: (أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) بِأَمرٍ وَأنَا مَاضٍ فيه)[3].
السابعة عشر: العزة والكرامة:
ومن أوثق الأسباب التي ثار من أجلها (عليه السلام) هي العزة والكرامة، فقد أراد الأمويون إِرغامَهُ على الذُل والخنوع، فَأَبَى (عليه السلام) إِلاَّ أن يعيش عَزيزاً، وقد أعلن ذلك يوم الطفِّ بقوله (عليه السلام): (أَلا وَإِنَّ الدعِيَّ ابنَ الدعِيَّ قَد رَكزَ بَينَ اثْنَتَيْنِ، بَينَ السلَّةِ وَالذلَّة، وهَيْهَات مِنَّا الذلَّة، يَأبَى اللهُ لَنَا ذَلكَ وَرَسُولُهُ، وَنُفُوسٌ أَبِيَّةٌ وَأُنُوفٌ حَميَّةٌ مِن أَنْ نُؤثِرَ طَاعَة اللِّئَام عَلى مَصَارِعِ الكِرَام)[4].
الثامنة عشر: غدر الأمويين وفتكهم:
وأيقن (عليه السلام) أن الأمويين لا يتركونه، ولا تَكفُّ أيديهم عن الغدر والفَتْكِ به حتى لو سَالَمَهُم وبايعهم، وقد أعلن (عليه السلام) ذلك لأخيه محمد بن الحنفية: (وأيم الله لو كنت في حِجرِ هَامَة مِن هَذِهِ الهوَام لاستَخْرَجُونِي حتَّى يَقتُلُونِي)[5].
فاختار (عليه السلام) أن يُعلنَ الحربَ ويموت مِيتَةً كريمةً تَهزُّ عروشهم، وَتقضِي على جبروتِهِم وَطُغيَانِهِم.
هذه بعض الأسباب التي حفَّزت الإمام الحسين (عليه السلام) إلى الثورة على حكم يزيد[6].