كرامات الإمام الحسين (عليه السلام)

مما اختص الله به أولياءه أن أجرى على أيديهم كرامات تبيّن فضلهم وقربهم منه تعالى، ففي الحديث القدسي: (عبدي أطعني تكن مثلي تقل للشيء كن فيكون)[1]، وهم سلام الله عليهم أولى الناس بانطباق هذا الحديث عليهم، فلا عجب ـ بعد ذلك ـ إذا ظهرت على أيديهم الكرامات.

وللإمام الحسين (عليه السلام) كراماتٌ كثيرةٌ، سجَّلَتْها كتبُ التاريخ، نذكر منها:

- عن أبي خالد الكابلي عن يحيى ابن أم الطويل: قال كنا عند الإمام الحسين (عليه السلام)
إذ دخل عليه شاب يبكي، فقال له الإمام الحسين (عليه السلام): (مَا يُبْكِيكَ)؟.

قال: إنّ والدتي توفيت في هذه الساعة ولم توص، ولها مال، وكانت قد أمرتني أن لا أحدث في أمرها شيئاً حتّى أعلمك خبرها.

فقال الإمام الحسين (عليه السلام): (قُومُوا بِنَا حَتَّى نَصِيرُ إلى هَذِهِ الحُرَّة).

فقمنا معه حتّى انتهينا إلى باب البيت الذي فيه المرأة، وهي مسجّاة فأشرف على البيت ودعا الله ليُحيِيها حتّى توصي بما تحب من وصيَّتها.

فأحياها الله، وإذا المرأة جلست وهي تتشهّد، ثمّ نظرت إلى الإمام الحسين (عليه السلام)
فقالت: ادخل البيت يا مولاي ومُرني بأمرِك.

فدخل (عليه السلام) وجلس على مخدّة، ثمّ قال لها: (وَصِّي يَرْحَمك اللهُ).

فقالت: يا ابن رسول الله، إنّ لي من المال كذا وكذا في مكان كذا وكذا، وقد جعلت ثلثه إليك لتضعه حيث شئت من أوليائك، والثلثان لابني هذا إن علمت أنّه من مواليك وأوليائك، وإن كان مخالفاً فخذه إليك فلا حقَّ للمخالفين في أموال المؤمنين.

ثمّ سألته أن يصلّي عليها وأن يتولَّى أمرها، ثمّ صارت المرأة ميتة كما كانت[2].

- روي عن هارون بن خارجة عن الإمام الصادق(عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام)قال: (إنّ الحسين (عليه السلام) إذا أراد أن ينفذ غلمانه في بعض أموره قال لهم: لا تخرجوا يوم كذا، واخرجوا يوم كذا، فإنّكم إن خالفتموني قطع عليكم، فخالفوه مرة وخرجوا، فقتلهم اللصوص وأخذوا ما معهم، واتصل الخبر بالحسين (عليه السلام) فقال: لَقَد حَذَّرتُهُم فَلَم يَقبَلُوا مِنِّي.

ثمّ قام (عليه السلام) من ساعته ودخل على الوالي، فقال الوالي: يا أبا عبد الله بلغني قتل غلمانك فآجرك الله فيهم.

فقال الإمام الحسين (عليه السلام): فإنِّي أدُلُّكَ عَلَى مَن قَتَلَهم فاشدُدْ يَدَك بِهِم.

قال: أوَ تعرفهم يا ابن رسول الله ؟ فقال (عليه السلام): نَعَم، كَمَا أعرفُكَ، وَهَذا مِنهُم.

وأشار (عليه السلام) بيده إلى رجل واقف بين يدي الوالي، فقال الرجل: ومن أين قصدّتني بهذا ؟ ومن أين تعرف أنّي منهم.

فقال له الإمام الحسين (عليه السلام): إنْ أنَا صَدَّقتُكَ تُصدِّقُني ؟ فقال الرجل: نعم والله لأصدقنَّك، فقال (عليه السلام): خَرجْتَ وَمَعَكَ فلان وفلان وذكرهم كلّهم، فمنهم أربعة من موالي المدينة، والباقون من حبشان المدينة.

فقال الوالي للرجل ورب القبر والمنبر، لتصدّقني أو لأهرأن لحمك بالسياط، فقال الرجل والله ما كذب الحسين وقد صدق وكأنّه كان معنا، فجمعهم الوالي جميعاً فأقرّوا جميعاً، فضرب أعناقهم[3].

-  إنّ رجلاً صار إلى الإمام الحسين (عليه السلام) فقال: جئتُك أستشيرك في تزويجي فلانة، فقال (عليه السلام): (لا أحبُّ ذلكَ لَك)، وكانت كثيرة المال، وكان الرجل أيضاً مكثراً، فخالف الإمام الحسين (عليه السلام)، فتزوج بها فلم يلبث الرجل حتّى افتقر، فقال له الإمام الحسين (عليه السلام): (قَدْ أشرْتُ إليكَ فَخَلِّ سَبيلَها، فإنَّ اللهَ يعوِّضُكَ خيراً مِنهَا).

ثمّ قال (عليه السلام): (وَعَليكَ بفلانة)، فتزوّجها فما مضت سنة حتّى كثر ماله، وولدت له ولداً ذكراً، ورأى منها ما أحب[4].

- لمّا ولد الإمام الحسين (عليه السلام) أمر الله تعالى جبرائيل أن يهبط في ملإ من الملائكة فيهنئ محمّداً فهبط، فمر بجزيرة فيها ملك يقال له فطرس بعثه الله في شي‏ء فأبطأ فكسر جناحه، وألقاه في تلك الجزيرة، فعبد الله سبعمائة عام، فقال فطرس لجبرائيل: إلى أين ؟ قال: إلى محمّد، قال: احملني معك إلى محمّد لعلّه يدعو لي، فلمّا دخل جبرائيل وأخبر محمّداً بحال فطرس، قال له النبي: (قل له يمسح بهذا المولود جناحه)، فمسح فطرس بمهد الحسين (عليه السلام)، فأعاد الله عليه في الحال جناحه، ثمّ ارتفع مع جبرائيل إلى السماء، فسمّي عتيق الحسين (عليه السلام)[5].

- إنّ الإمام الحسين (عليه السلام) لمّا أراد العراق، قالت له أم سلمة: لا تخرج إلى العراق، فقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: (يقتل ابني الحسين بأرض العراق)، وعندي تربة دفعها إليّ في قارورة، فقال (عليه السلام): (والله إنّي مقتول كذلك، وإن لم أخرج إلى العراق يقتلونني أيضاً، وإن أحببت أن أريك مضجعي ومصرع أصحابي).

ثمّ مسح بيده على وجهها، ففسح الله في بصرها حتّى أراها ذلك كلّه، وأخذ تربة فأعطاها من تلك التربة أيضاً في قارورة أخرى، وقال (عليه السلام): (فإذا فاضتا دماً فاعلمي أنّي قد قتلت)، فقالت أم سلمة: فلمّا كان يوم عاشوراء نظرت إلى القارورتين بعد الظهر فإذا هما قد فاضتا دماً، فصاحت، ولم يقلب في ذلك اليوم حجر ولا مدر إلاّ وجد تحته دم عبيط[6].

- روي عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) أنّه قال: (لمّا كانت الليلة التي قتل فيها الحسين (عليه السلام) في صبيحتها، قام في أصحابه فقال (عليه السلام): (إنّ هؤلاء يريدونني دونكم، ولو قتلوني لم يقبلوا إليكم، فالنجاء النجاء، وأنتم في حل فإنّكم إن أصبحتم معي قتلتم كلّكم)، فقالوا: لا نخذلك ولا نختار العيش بعدك، فقال (عليه السلام): (إنّكم تقتلون كلّكم حتّى لا يفلت منكم واحد)، فكان كما قال (عليه السلام))[7].

كراماته (عليه السلام) بعد مقتله:

وردت كثير من الروايات في مصادر أهل السنة تتحدث عن بعض الظواهر الكونية، والحوادث، والفتن، التي ظهرت عقيب مقتل الإمام الحسين (عليه السلام)،
أسفاً وحزناً عليه، ونذكر منها:

أولاً: ما روي من أن السماءَ صارت تَمطُر دماً:

عن أم حكيم قالت: قُتِلَ الحسين وأنا يومئذ جويرية، فمكثت السماء أياماً مثل العلقة[8].

ثانياً: ما روي من كسوف الشمس:

عن أبي قبيل قال: لما قتل الحسين بن علي انكسَفَت الشمس كسفة حتى بدت الكواكب نصف النهار، حتى ظننَّا أنها هي[9]، أي: القيامة.

ونقل ذلك أيضا السيوطي في تاريخ الخلفاء، وأرسله إرسال المسلّمات، فقال: ولما قتل الحسين مكثت الدنيا سبعة أيام والشمس على الحيطان كالملاحف المعصفرة، والكواكب يضرب بعضها بعضاً، وكسفت شمس ذلك اليوم، واحمرَّت آفاق السماء ستة أشهر بعد قتله، ثم لا زالت الحمرة ترى فيها بعد ذلك ولم تكن ترى فيها قبله[10].

ثالثاً: ما ورد في الدم الذي ظهر على الجُدُر:

قال حصين: فلما قتل الحسين لبثوا شهرين أو ثلاثة، كأنما تلطخ الحوائط بالدماء ساعة تطلع الشمس حتى ترتفع[11].

رابعاً: ما رُفع حجر إلا وُجِد تحته دم:

عن الزهري قال: قال لي عبد الملك أي واحد أنت إن أعلمتني أي علامة كانت يوم قتل الحسين.

فقلت: لم ترفع حصاة ببيت المقدس إلا وجد تحتها دم عبيط.

فقال لي: إني وإياك في هذا الحديث لقرينان[12].

وعن الزهري قال: ما رفع بالشام حجر يوم قتل الحسين بن علي إلا عن دم[13].

خامساً: ذبحوا جزوراً فصار كله دماً:

عن دويد الجعفي عن أبيه قال: لما قتل الحسين انتهبت جزور من عسكره، فلما طبخت إذا هي دم[14].

سادساً: الفتن والحوادث الغريبة:

قال ابن كثير: وأما ما روي من الأحاديث والفتن التي أصابت من قتله فأكثرها صحيح، فإنه قلَّ من نجا من أولئك الذين قتلوه من آفة وعاهة في الدنيا، فلم يخرج منها حتى أصيب بمرض، وأكثرهم أصابه الجنون[15].

وقال أيضا: روى حَمَّاد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمارة، عن أم سلمة، أنها سمعت الجِنَّ تنوح على الحسين بن علي، وهذا صحيح[16].

 


[1] التفسير الكاشف محمد جواد مغنية: ج6، ص520.

[2] الثاقب في المناقب عماد الدين الطوسي: ص344.

[3] الخرائج والجرائح لقطب الدين الراوندي: ج1، ص246.

[4] الخرائج والجرائح لقطب الدين الراوندي: ج1، ص248.

[5] الخرائج والجرائح لقطب الدين الراوندي: ج1، ص253.

[6] بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج44، ص232.

[7] الخرائج والجرائح لقطب الدين الراوندي: ج1، ص254.

[8] المعجم الكبير للطبراني: ج3، ص113.

[9] المعجم الكبير للطبراني: ج3، ص114.

[10] تاريخ الخلفاء للسيوطي: ص226.

[11] تاريخ الطبري: ج4، ص96.

[12] المعجم الكبير للطبراني: ج3، ص119.

[13] المعجم الكبير للطبراني: ج3، ص113، مجمع الزوائد للهيثمي: ج9، ص196. 

[14] المعجم الكبير للطبراني: ج3، ص121.

[15] البداية والنهاية لابن كثير: ج8، ص220.

[16]  البداية والنهاية لابن كثير: ج6، ص259.