علمه (عليه السلام)

-  إن الله تعالى قد رزقه الفطرة الثاقبة منذ نعومة أظفاره، وصغر سنّه، فذكر أصحاب السير أن الحسن (عليه السلام) كان يحضر في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعمره سبع سنين، وكان يستمع إلى جدّه ويحفظ ذلك كله، ويأتي إلى أمه الزهراء (عليها السلام) يحدثها بذلك، وكان الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) يأتي إلى البيت ويجد كل ما تحدث به رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى المسلمين في المسجد عند فاطمة (عليها السلام)، فيقول لها (عليها السلام):  من أين لك ذلك؟ فكانت تقول: إنه من ولدي الحسن، مما يدل أنه (عليه السلام) كان ينفتح على علم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويعيش اهتماماته به.

-  روي أن النبي (صلى الله عليه وآله)، قال في حديث له:  ( لو كان العقل رجلاً لكان الحسن)[1].

-  إن رجلاً قال: دخلت مسجد المدينة، فإذا أنا برجل يتحدث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) والناس حوله، فقلت:  أخبرني عن (شَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ). فقال : نعم، أما الشاهد فيوم الجمعة، وأما المشهود فيوم عرفة، فجزته إلى آخر يحدث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)  فقلت: أخبرني عن  (شَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) . فقال: نعم، أما الشاهد فمحمد (صلى الله عليه وآله)، وأما المشهود فيوم القيامة، أما سمعته يقول:  (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيرا) وقال تعالى: (ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ)، فسألت عن الرجل الأول فقالوا: ابن عباس، وسألت عن الثاني فقالوا:  الحسن بن علي بن أبي طالب، وكان قول الحسن أحسن[2].

- قيل للإمام الحسن (عليه السلام):  كم بين الحق والباطل، وكم بين المشرق والمغرب؟ فقال (عليه السلام):  (بين الحق والباطل أربع أصابع، فما رأيته بعينك فهو حق وقد تسمع بأذنيك باطلاً كثيراً)[3].

وقال : (وما بين المشرق والمغرب مسيرة يوم للشمس، تنظر إليها حين تطلع من مشرقها وتنظر إليها حين تغيب من مغربها)[4].

-  كتب له الحسن البصري يسأله عن القضاء والقدر، فأجابه(عليه السلام): أمَّا بعد، فَمَن لم يؤمن بالقدر خيره وشره أن الله يعلمه فقد كفر، ومن أحال المعاصي على الله فقد فجر، إن الله لم يُطَع مكرهاً، ولم يُعصَ مغلوباً، ولم يُهمِلِ العباد سُدىً من المملكة، بل هو المالك لِمَا مَلَّكهم، والقادرُ على ما عليه أقدرهم، بل أمَرَهم تخييراً، ونهاهم تحذيراً، فإن ائتمروا بالطاعة لم يجدوا عنها صَادّاً، وإن انتهوا إلى معصية فشاء أن يَمُنَّ عليهم بأن يحول بينهم وبينها فعل، وإن لم يفعل فليس هو الذي محَّلَهم عليها جبراً، ولا أُلزِموها كرهاً، بل مَنَّ عليهم بأن بَصَّرَهم، وعَرَّفَهم، وحَذَّرهم، وأمَرهم، ونَهَاهم، لا جبراً لهم على ما أمَرَهم به، فيكونوا كالملائكة، ولا جَبْراً لهم على ما نَهَاهم عنه، ولله الحُجَّة البالغة، فلو شاء لَهَداكم أجمعين)[5].

فلاحظ كيف أنه (عليه السلام) يوضح بعبارة موجزة قضية تعتبر من أكثر القضايا الفكرية تعقيداً وعمقاً، حتى أنَّها لِشِدَّة عُمقها قد ضلَّ فيها الكثير من رجال الفكر، كما نشأت عنْها تيارات متطرِّفة، كالأشاعرة، والمعتزلة، كل يدعي التفسير العقائدي السليم.

وقد سُئل (عليه السلام) يوماً عن السياسة، فأجاب: هي أن ترعى حقوق الله، وحقوق الأحياء، وحقوق الأموات.

فأمَّا حقوق الله، فأداء ما طَلَب، والاجتناب عَمَّا نَهَى.

وأما حقوق الأحياء، فهي أن تقوم بواجبك نحو إخوانك، ولا تتأخَّر عن خدمة أُمَّتِك، وأن تُخلِصَ لولي الأمر ما أخلَصَ لأُمَّتِه، وأن ترفع عقيرتك في وجهه إذا ما حَادَ عن الطريق السَّوي.

وأما حقوق الأموات، فهي أن تذكر خَيراتَهُم، وتَتَغاضى عن مَسَاوِئِهم، فإنَّ لَهُم رَبّاً يُحَاسبهم[6].

هذا هو الإمام الحسن (عليه السلام) الذي زُقّ العلم زقاً من جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبيه أمير المؤمنين وأمه فاطمة الزهراء.  فما بالك بابن هذا أبوه وذاك جده وتلك أمه (سلام الله عليهم أجمعين).

 


[1]  ينابيع المودة لذوي القربة للقندوزي: ج2، هامش ص333.

[2] مجمع البيان الشيخ الطبرسي: ج10، ص315.

[3] الخصال الشيخ الصدوق: ص441.

[4] الخصال الشيخ الصدوق: ص441.

[5] نهاية المرام العلامة الحلي: ج1، ص27.

[6] الحياة السياسية للإمام الحسن السيد جعفر مرتضى العاملي: ص7.