إن المواقف المبدئية والخط الرباني الذي اعتصم به أئمة أهل البيت (عليهم السلام) من رفضهم للظلم ونبذهم للانحراف وتنديدهم بالجور جعلهم وجهاً لوجه مع مختلف الأنظمة الطاغوتية التي تحكمت في تاريخ المسلمين، من أمويين وعباسيين وغيرهم.
فالأئمة كانوا دوماً جبهة المعارضة: العلنية أحياناً، والخفية أحياناً أخرى، وقد لاقوا لأجل ذلك شتّى أنواع التنكيل والتعذيب والتشريد، والسلطات الجائرة لم تقنع بما أصاب أهل البيت (عليهم السلام) من ويلات، فدسّت في صفوفهم ـ إمعاناً في الإيذاء ـ مَن يشوّه تعاليمهم ويضع الأحاديث والأكاذيب، فضاع جزء كبير من الحقيقة بين مؤرخ يسعى لإرضاء السلطان فيحط من شأن المعارضة ويهمشها كما هو ديدن الكتّاب المتاجرين في كل عصر، وبين واضع مدلّس كاذب يفتعل الأقاصيص ويختلق الروايات ليشوّه الصورة الناصعة لأئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وبين ناقل هذا وذاك دون نقد وتمحيص.
وحينما نريد التعاطي مع سيرة الإمام الحسن (عليه السلام) تبرز إلى جانب كل ذلك مشكلة جديدة، إنها مَظلمة التحريف والتزييف، ونحن نعلم أن جل الأئمة لم يسلموا من تشويه واتهام، فالإمام علي (عليه السلام) أمضى بيعة الخلفاء وتنازل عن حقه الشرعي! والحسين (عليهم السلام) قتل بسيف جده! والرضا (عليه السلام) بقبوله ولاية العهد أعطى الشرعية للعباسيين الظالمين ! إلى آخر التفسيرات التي تتنافى مع عصمتهم، وسلامة خطهم.
ولكن سيرة الحسن (عليه السلام) تواجه ما لا تواجهه سيرة أي إمام آخر من التأويلات الباطلة والتشويهات المقصودة، فقد عاش (عليه السلام) على امتداد خمسة عقود تقريباً حياةً غنية بالأحداث والتحولات، هذه الحياة القصيرة نسبياً واكب الإمام عبرها منعرجات حاسمة في تاريخ الأمة الإسلامية تحكمت في مصيرها طوال قرون مديدة.