المقدمة

ليست دراسة التاريخ والسّير ترفاً فكرياً واستغراقاً في الماضي، يحجب عنا الواقع وأسئلته، والحاضر ومشكلاته. بل الوعي التاريخي مقدمة لبناء الذات، ونحت المجتمعات، وتحقيق النهضة والتغيير يستند إلى جملة عوامل، من بينها الفهم العميق للتاريخ، والرؤية المتوازنة للماضي، فقراءة التاريخ والسّير في آثار الماضين، يوفر دروساً مهمةً للاتعاظ والاعتبار، والتأمل في التاريخ والسّير يمنح الفرد منا عمراً تاريخيا يختزن من خلاله كل تجارب السابقين.. فيتحرك عن بصيرة وإحاطة وخبرة، يقول الإمام علي (عليه السلام) في وصيته لابنه الحسن (عليه السلام):

(أيْ بُنَيَّ، إنِّي وَإنْ لَمْ أَكُنْ عُمِّرْتُ عُمُرَ مَنْ كَانَ قَبْلِي، فَقَدْ نَظَرْتُ فِي أَعْمَالِهِمْ، وَفَكَّرْتُ فِي أخْبَارِهِمْ، وَسِرْتُ فِي آثَارِهِمْ، حَتَّى عُدْتُ كَأَحَدِهِمْ، بَلْ كَأَنِّي بِمَا انْتَهَى إلَيَّ مَنْ أُمُوِرِهِمْ، قَدْ عُمِّرْتُ مَعَ أوَّلَهَمْ إلى آخِرِهِمْ، فَعَرَفْتُ صَفْوَ ذَلِكَ مِنْ كَدَرِهِ، وَنَفْعَهُ مَنْ ضَرَرِه..)[1].

فإذا كان للتاريخ ودراسته هذه الأهمية فكيف بقراءة سيرة الرسول والأئمة الأطهار (عليهم السلام) وهم القادة الربانيون الذين لا تمثل حياتهم جزءاً عظيماً وفصلاً منيراً من تاريخ الأمة فحسب، وإنما تعبّر عن دينها وشريعتها ومرجعياتها العقائدية والسلوكية فهم مهبط الوحي ومعدن العلم والسبيل إلى الله تعالى.

 


[1]  تحف العقول لابن شعبة الحراني: ص70.