موضع قبرها (عليها السلام)

 قال الشيخ الصدوق (رحمه الله) : (اختلفت الروايات في موضع قبر فاطمة سيدة نساء العالمين (عليها السلام)، فمنهم من روىٰ أنّها دفنت في البقيع، ومنهم من روىٰ أنّها دفنت بين القبر والمنبر، وأنّ النبي (صلى الله عليه وآله) إنّما قال: (ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة)[1]، لأنّ قبرها (عليها السلام)  بين القبر والمنبر، ومنهم من روىٰ أنّها دفنت في بيتها، فلمّا زادت بنو أُمية في المسجد، صارت في المسجد، وهذا هو الصحيح عندي)[2].

ومستند الشيخ الصدوق (رحمه ‌الله) في تصحيحه ما رواه عن أبيه بالإسناد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي قال: سألت أبا الحسن علي بن موسىٰ الرضا (عليه السلام) عن قبر فاطمة صلوات الله عليها، فقال: (دفنت في بيتها، فلمّا زادت بنو أُمية في المسجد صارت في المسجد)[3].

وذكر الشيخ الطوسي (رحمه الله) والعلّامة الطبرسي الأقوال الثلاثة التي ذكرها الشيخ الصدوق (رحمه الله) واستبعدا الأول منها، واستصوبا القولين الأخيرين.

قال الشيخ الطوسي(رحمه الله) : (الأصوب أنها مدفونة في دارها، أو في الروضة).

ثم قال: (وقد اختلف أصحابنا في موضع قبرها، فقال بعضهم: انها دفنت بالبقيع، وقال بعضهم: انها دفنت بالروضة، وقال بعضهم:  انها دفنت في بيتها، فلما زاد بنو أمية لعنهم الله في المسجد صارت من جملة المسجد، وهاتان الروايتان كالمتقاربتين والأفضل عندي أن يزور الإنسان من الموضعين جميعا فإنه لا يضرّه ذلك ويحوز به أجرا عظيما، وأما من قال إنها دفنت بالبقيع فبعيد من الصواب)[4].

وقال العلّامة الطبرسي(رحمه الله): (القول الأول بعيد ـ أي كونها (عليها السلام) مدفونة بالبقيع ـ والقولان الآخران أشبه وأقرب إلىٰ الصواب، فمن استعمل الاحتياط في زيارتها، زارها في المواضع الثلاثة)[5]. والله العالم بحقيقة الحال.

قال الشاعر:

بأبي التي ماتت ومـــا           ماتت مكارمها السنيهْ

بأبي التي دفنت وعفّي           قبرها الســامي تقيــهْ[6].

وهكذا يغيّب قبر أحبّ الناس إلىٰ رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأعزّهم عليه في مجتمع لم يبل فيه قميص رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فحُرِمت الاُمّة من قدس الزهراء (عليها السلام)  وثواب زيارة بقعتها حتىٰ قيام الساعة.

لقد عبّرت الزهراء(عليها السلام)  في وصيتها بتغييب قبرها عن مظلوميتها واغتصاب حقوقها، فجعلت ذلك موضع تساؤل عبر الأجيال يحكي قصة ظلامة الزهراء (عليها السلام) وهضم حقوقها والاعتداء عليها، وكان أكثر من ذلك شاهدا على ما مرت به تلك الحقبة المهمة من حياة الأمة من انحراف عن خط الرسالة، ومصادرة للإمامة الشرعية وتغيير لمسار الأمة عما أرادته السماء لها، فقد ضحّت (عليها السلام) بنفسها وجاهدت أشد الجهاد في سبيل تصحيح ذلك الانحراف وتقويم ذلك الزيغ حتى مضت شهيدة في هذا السبيل ولكنها (عليها السلام) لم تكتف بذلك، لعلمها أن الخلافة الغاصبة ورموزها يستطيعون أن يشتروا ذمم الناس فيغيروا الأحداث ويعتموا على الناس الواقع، فتضيع جهودها التي بذلتها حال حياتها، فأوصت إلى علي (عليه السلام) بجملة من الوصايا من ضمنها إعفاء قبرها، ودفنها ليلا من دون علم القوم، حتى يبقى هذا الفعل مدى الدهر شاهداً على ظلمها من قبلهم وعلى غصبهم الخلافة، ويثير هذا الأمر سؤالاً محيراً لكل ذي لب يقوده هذا السؤال إلى اكتشاف الحقيقة المرة على نفوس البعض بعد كل هذا التزييف ومحاولة تلميع صور أشخاصه وجعلهم قادة الإسلام في الصدر الأول، وما هم في الحقيقة إلا مجموعة من الغاصبين المتنكرين للرسول والمعتدين على أهل بيته، فسلام الله عليها وعلى ما ألهمت من حكمة  في فعلها هذا فكانت مجاهدة لظلمهم في حياتها واستمرت على ذلك بعد موتها، وأبقت بهذا الفعل الحق ناصعا جليا لا يمكن طمسه ومحو آثاره مهما اجتهد الظالمون، ولذا ترى القوم يحاولون كتم خبر فاطمة (عليها السلام) في أوساط المسلمين بل ومحو اسمها الشريف وكل ما يمتّ بصلة لأخبارها وحياتها وما يشير من قريب أو بعيد إلى ما حصل في ذلك الوقت، لذا ترى كثيراً من الناس بعد أن يمروا على تأريخها ولو مروراً عابراً يندهش لما حصل لها وتنكشف له حقيقة القوم ويزول عنه الحجاب الذي أرادوا أن يغطّوا به على الحقيقة المرة التي اكتنفت تلك الفترة، فترجع له بصيرته المسلوبة عنه وترجع له حميته على الدين ورموزه ومن أهمهم ابنة حبيبهم محمد (صلى الله عليه وآله).

والحمدُ لله ربِّ العالمين

وسلامٌ علىٰ عبـاده الذيـن اصطفىٰ

محمـد وآله الطاهرين

 


[1] معاني الأخبار للشيخ الصدوق: ص268.

[2] من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق: ج2، ص572.

[3] من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق: ج1، ص229.

[4] تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي: ج6، ص9.

[5] إعلام الورى بأعلام الهدى للشيخ الطبرسي: ج1، ص301.

[6] المجالس السنية للسيد الأمين: ج5، ص68.