ندبة الإمام علي (عليه السلام) عند دفن الزهراء (عليها السلام)

وعبّر أمير المؤمنين(عليه السلام) عن تلك المظلومية حينما فرغ من دفن الزهراء (عليها السلام) ، حيث هاج به الحزن، فأرسل دموعه علىٰ خديه، وحوّل وجهه إلىٰ قبر أخيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: (السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّه عَنِّي والسَّلَامُ عَلَيْكَ عَنِ ابْنَتِكَ وزَائِرَتِكَ والْبَائِتَةِ فِي الثَّرَى بِبُقْعَتِكَ والْمُخْتَارِ اللَّه لَهَا سُرْعَةَ اللَّحَاقِ بِكَ.

إلى أن قال:  وإِلَى اللَّه أَشْكُو وسَتُنْبِئُكَ ابْنَتُكَ بِتَظَافُرِ أُمَّتِكَ عَلَى هَضْمِهَا فَأَحْفِهَا السُّؤَالَ واسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ فَكَمْ مِنْ غَلِيلٍ مُعْتَلِجٍ بِصَدْرِهَا لَمْ تَجِدْ إِلَى بَثِّه سَبِيلاً وسَتَقُولُ ويَحْكُمُ اللَّه وهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ.

إلى أن قال: وَاه وَاهاً والصَّبْرُ أَيْمَنُ وأَجْمَلُ ولَوْ لَا غَلَبَةُ الْمُسْتَوْلِينَ لَجَعَلْتُ الْمُقَامَ واللَّبْثَ لِزَاماً مَعْكُوفاً ولأَعْوَلْتُ إِعْوَالَ الثَّكْلَى عَلَى جَلِيلِ الرَّزِيَّةِ فَبِعَيْنِ اللَّه تُدْفَنُ ابْنَتُكَ سِرّاً وتُهْضَمُ حَقَّهَا وتُمْنَعُ إِرْثَهَا ولَمْ يَتَبَاعَدِ الْعَهْدُ ولَمْ يَخْلَقْ مِنْكَ الذِّكْرُ وإِلَى اللَّه يَا رَسُولَ اللَّه الْمُشْتَكَى وفِيكَ يَا رَسُولَ اللَّه أَحْسَنُ الْعَزَاءِ صَلَّى اللَّه عَلَيْكَ وعَلَيْهَا السَّلَامُ والرِّضْوَانُ.

إلىٰ أن قال: وإلىٰ الله أشكو، وستنبئك ابنتك بتضافر أُمتك علىٰ هضمها، فأحفها السؤال، واستخبرها الحال، فكم من غليلٍ معتلجٍ بصدرها لم تجد إلىٰ بثّه سبيلاً، وستقول ويحكم الله وهو خير الحاكمين.

إلى أن قال:  واهاً واهاً! والصبر أيمن وأجمل، ولولا غلبة المستولين لجعلت المقام واللبث عندك لزاماً معكوفاً، ولأعولت إعوال الثكلىٰ علىٰ جليل الرزية، فبعين الله تُدفَن ابنتك سرّاً، ويُهضَم حقّها قهراً، ويُمنَع إرثها جهراً، ولم يطل العهد، ولم يخلق منك الذكر، فإلىٰ الله يا رسول الله المشتكىٰ، وفيك يا رسول الله أجمل العزاء، صلّىٰ الله عليك وعليها ‌السلام والرضوان)[1].

وعن عبد الله بن عبد الرحمن الهمداني، عن أبيه، قال: لما دفن علي بن أبي طالب فاطمةC، قام على شفير القبر، وذلك في جوف الليل، لأنه كان دفنها ليلاً، ثم أنشأ يقول:

لكل اجتماع من خليلين فرقـة     وكل الذي دون المــمات قليل

وإن افتقادي واحدا بعد واحد     دليل على أن لا يدوم خليل[2].

وعن جابر بن يزيد الجعفي قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) يقول: (لما ماتت فاطمة(عليها السلام)، قام عليها أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال: اللهم إني راض عن ابنة نبيك، اللهم انها قد أوحشت فآنسها، اللهم انها قد هجرت فصلها، اللهم انها قد ظلمت فاحكم لها وأنت خير الحاكمين)[3].

وعن أبي عبد الله عن آبائه (عليهم السلام) : (أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لما وضع فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليهما وآلهما في القبر قال: بسم الله الرحمن الرحيم بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله)، سلمتك أيتها الصديقة إلى من هو أولى بك مني ورضيت لك بما رضي الله تعالى لك، ثم قرأ: (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى)[4]، فلما سوّى عليها التراب أمر بقبرها فرش عليه الماء، ثم جلس عند قبرها باكيا حزينا، فأخذ العباس بيده فانصرف به)[5].

 


[1] الكافي للشيخ الكليني: ج1، ص459.

[2] الأمالي للشيخ الصدوق: ص580.

[3] الخصال للشيخ الصدوق: ص588.

[4] سورة طه: آية 55.

[5] بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج82، ص28.