لم تمض سوى أيام قلائل على رحيل النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) حتى ظهرت طوايا النفوس وما كان يضمره الرجال من نية اغتصاب الخلافة، والتنكّر لما جاء على لسان النبي (صلى الله عليه وآله) في الخليفة من بعده، فعمدوا لطمس حقائق الخلافة ونصوصها ومعاقبة أفراد البيت الطاهر الذين نصبهم الله تعالى ولاة من قبله، وسادة على الخلق، وهذا ما حصل، فقد هجموا على دار فاطمة (عليها السلام) وجمعوا الحطب الجزل لحرق تلك الباب المباركة، والتي طالما شرّفها رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيده المقدّسة، وكثيراً ما وقف أمامها مسلّماً على أهلها محيّيهم، وداعياً لهم (في بُيُوت أذن اللهُ أن تُرفَعَ وَيُذكَرَ فِيها اسمُهُ يُسَبّحُ لَهُ فيها بِالغُدُوّ وَالآصال)[1].
فإذا كانت هذه حرمة الدار والباب، وتلك مكانة أصحابها، فما سيكون تقييمك ـ أخي القارئ ـ لمن أحرق تلك الباب، وروّع من احتجب خلفها.
قال سلمان (رضي الله عنه): ( .....فلما كان الليل حمل علي (عليه السلام) فاطمة (عليها السلام) على حمار وأخذ بيد ابنيه الحسن والحسين (عليهما السلام) فلم يدع أحدا من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا أتاه في منزله فناشدهم الله حقه، ودعاهم إلى نصرته فما استجاب منهم رجل غيرنا أربعة فإنا حلقنا رؤوسنا وبذلنا له نصرتنا، وكان الزبير أشدنا بصيرة في نصرته، فلما أن رأى علي (عليه السلام) خذلان الناس إياه وتركهم نصرته، واجتماع كلمتهم مع أبي بكر، وتعظيمهم إياه، لزم بيته فقال عمر لأبي بكر: ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع، فإنه لم يبق أحد إلا وقد بايع غيره وغير هؤلاء الأربعة، وكان أبو بكر أرق الرجلين وأرفقهما وأدهاهما وأبعدهما غورا، والآخر أفظهما وأغلظهما وأجفاهما، فقال له أبو بكر: من نرسل إليه؟ فقال عمر نرسل إليه قنفذا فهو رجل فظ غليظ جاف من الطلقاء، أحد بني عدي بن كعب، فأرسله وأرسل معه أعوانا، وانطلق فاستأذن على علي (عليه السلام) فأبى أن يأذن لهم فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر وعمر وهما جالسان في المسجد والناس حولهما، فقالوا: لم يؤذن لنا.
فقال عمر: اذهبوا فإن أذن لكم وإلا فأدخلوا بغير إذن فانطلقوا فاستأذنوا فقالت فاطمة (عليها السلام) أُحرج عليكم أن تدخلوا علي بيتي بغير إذن، فرجعوا وثبت قنفذ الملعون، فقالوا: إنّ فاطمة قالت كذا وكذا، فتحرجنا أن ندخل بيتها بغير إذن فغضب عمر وقال: مالنا وللنساء، ثم أمر أناسا حوله بتحصيل الحطب وحملوا الحطب وحمل معهم عمر فجعلوه حول منزل علي (عليه السلام) وفيه علي وفاطمة وابناهما (عليهم السلام) ثم نادى عمر حتى أسمع عليا وفاطمة: والله لتخرجن يا علي ولتبايعن خليفة رسول الله وإلا أضرمت عليك النار، فقامت فاطمة(عليها السلام) فقالت: يا عمر مالنا ولك؟ فقال: افتحي الباب وإلا أحرقنا عليكم بيتكم، فقالت: يا عمر أما تتقي الله تدخل عليّ بيتي؟ فأبى أن ينصرف ودعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فدخل فاستقبلته فاطمة (عليها السلام) وصاحت يا أبتاه يا رسول الله! فرفع عمر السيف وهو في غمده فوجأ به جنبها، فصرخت يا أبتاه، فرفع السوط فضرب به ذراعها، فنادت يا رسول الله لبئس ما خلفك أبو بكر وعمر، فوثب علي (عليه السلام) فأخذ بتلابيبه فصرعه ووجأ أنفه ورقبته، وهمَّ بقتله، فذكر قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما أوصاه به، فقال: والذي كرّم محمداً (صلى الله عليه وآله) بالنبوة يا ابن صهاك لولا كتاب من الله سبق، وعهد عهد إليّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلمت أنك لا تدخل بيتي فأرسل عمر يستغيث فأقبل الناس حتى دخلوا الدار، وثار علي (عليه السلام) إلى سيفه فرجع قنفذ إلى أبي بكر وهو يتخوف أن يخرج علي(عليه السلام) بسيفه، لما قد عرف من بأسه وشدته، فقال أبو بكر لقنفذ ارجع فإن خرج فاقتحم عليه بيته، فإن امتنع فأضرم عليهم بيتهم النار، فانطلق قنفذ الملعون فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن، وثار علي (عليه السلام) إلى سيفه فسبقوه إليه وكاثروه، فتناول بعض سيوفهم فكاثروه، فألقوا في عنقه حبلا وحالت بينهم وبينه فاطمة (عليها السلام) عند باب البيت فضربها قنفذ الملعون بالسوط، فماتت حين ماتت وإن في عضدها مثل الدملج من ضربته لعنه الله ... )[2]