مصحف فاطمة (عليها السلام)

لقد كثُر الكلام حول ما يُسمى بمُصحف فاطمة (عليها السلام)، وحاول أعداء أهل البيت (عليهم السلام) التشنيع على الشيعة من خلال اتهامهم بأن لهم قرآناً آخر يأخذون منه أحكام الدين غير القرآن الكريم يُسمونه مصحف فاطمة، و هو اتهام رخيص ليس له أي قيمة علمية، إذ سرعان ما يجد الباحث بطلان هذا الكلام لدى رجوعه إلى الواقع الخارجي، ولدى مراجعته للنصوص المأثورة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) .

ما هو مصحف فاطمة(عليها السلام) ؟

مصحف فاطمة الزهراء (عليها السلام)  هو كتاب عظيم المنزلة أملاه جبرائيل الأمين على سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام)  بعد وفاة أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله)،
و ذلك تسكيناً لها على حزنها لفقد أبيها(صلى الله عليه وآله)، أما كاتب هذا الكتاب فهو الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقد كتبه بخطه المبارك، وهو يُعتبر من جملة ودائع الإمامة، قال الإمام الرضا (عليه السلام): ( ...  ويكون عنده - أي الإمام (عليه السلام)-  مصحف فاطمة (عليها السلام))[1].

المعصومون(عليهم السلام) ومصحف فاطمة (عليها السلام) :

عندما سُئل الإمام الصادق (عليه السلام) عن مصحف فاطمة (عليها السلام)  قال: (إنَّ فَاطِمَةَ مَكَثَتْ بَعْدَ رَسُولِ الله (صلى الله عليه وآله) خَمْسَةً وسَبْعِينَ يَوْماً وكَانَ دَخَلَهَا حُزْنٌ شَدِيدٌ عَلَى أَبِيهَا وكَانَ جَبْرَئِيلُ (عليه السلام) يَأْتِيهَا فَيُحْسِنُ عَزَاءَهَا عَلَى أَبِيهَا ويُطَيِّبُ نَفْسَهَا ويُخْبِرُهَا عَنْ أَبِيهَا ومَكَانِه ويُخْبِرُهَا بِمَا يَكُونُ بَعْدَهَا فِي ذُرِّيَّتِهَا وكَانَ عَلِيٌّ (عليه السلام)  يَكْتُبُ ذَلِكَ فَهَذَا مُصْحَفُ فَاطِمَةَ (عليها السلام) )[2].

وعن حمّاد بن عثمان، عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه لما سأله:  وما مصحف فاطمة؟ قال (عليه السلام): (.. إِنَّ الله تَعَالَى لَمَّا قَبَضَ نَبِيَّه (صلى الله عليه وآله) دَخَلَ عَلَى فَاطِمَةَ (عليها السلام)  مِنْ وَفَاتِه مِنَ الْحُزْنِ مَا لَا يَعْلَمُه إِلَّا الله عَزَّ وجَلَّ فَأَرْسَلَ الله إِلَيْهَا مَلَكاً يُسَلِّي غَمَّهَا ويُحَدِّثُهَا فَشَكَتْ ذَلِكَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) فَقَالَ إِذَا أَحْسَسْتِ بِذَلِكِ وسَمِعْتِ الصَّوْتَ قُولِي لِي فَأَعْلَمَتْه بِذَلِكَ فَجَعَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) يَكْتُبُ كُلَّ مَا سَمِعَ - حَتَّى أَثْبَتَ مِنْ ذَلِكَ مُصْحَفاً، قَالَ: ثُمَّ قَالَ: أَمَا إِنَّه لَيْسَ فِيه شَيْءٌ مِنَ الْحَلَالَ والْحَرَامِ ولَكِنْ فِيه عِلْمُ مَا يَكُونُ)[3].

ليس في مصحف فاطمة (عليها السلام)  شيء من القرآن:

قال الإمام الصادق (عليه السلام): (وإن عندنا لمصحف فاطمة وما يدريهم ما مصحف فاطمة، قال: فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات[4]، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد إنما هو شيء أملاه الله عليها وأوحى إليها)[5].

الاهتمام بالقرآن والعمل به:

اهتمت الزهراء(عليها السلام)  بأخذ الوحي عن أبيها وحفظه ودراسته وقراءته، حتى كانت تتلقى آيات القرآن عن ولدها الحسن المجتبى (عليه السلام)، وذلك لمّا كان يذهب مع أبيه (عليه السلام) للمسجد ويسمع النبي (صلى الله عليه وآله) وهو يبلّغ الآيات فيحفظها ويأتي مُسرعاً إلى البيت ويُخبر أمّه الزهراء(عليها السلام) .

وقد ورد في بعض الأحاديث أنها قالت: (حُبِّب إليّ من دنياكم ثلاث: تلاوة كتاب الله، والنظر في وجه رسول الله، والإنفاق في سبيل الله)[6].

وكانت الزهراء (عليها السلام) تجسّد التعاليم القرآنية وتطبّقها، وهي من المسارعين إلى العمل بآيات الكتاب، فلما نزل قوله تعالى: (لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً)[7]، قالت فاطمة(عليها السلام) : (تهيّبت رسولَ الله(صلى الله عليه وآله)، فأعرضت أن أقول له يا أبه، وإنمّا أخاطبه يا رسولَ الله، إلى أن قال لي ذات يوم: بنُية فاطمة هذه الآية لم تنزل فيك ولا في أهل بيتك وإنّما نزلت في أهل الغِلظة والفضاضة، قولي لي يا أبه فإنها أحيى للقلب وأرضى للربّ)[8].

ومن شدّة علاقتها بالقرآن وحبّها له كان فيما أوصت أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يقرأ القرآن عند قبرها إذا دفنها.

الاهتمام بحفظ الأحاديث:

في كتاب دلائل الإمامة قال: (جاء رجل إلى فاطمة(عليها السلام)  فقال:  يا ابنة رسول الله، هل ترك رسولُ الله - عندك - شيئاً  تطرفينيه؟

فقالت:  يا جارية هات تلك الحريرة فطلبتها، فلم تجدها، فقالت: ويحك اطلبيها فإنها تعدل عندي حسناً وحسيناً، فطلبتها فإذا هي قد قمّتها في قمامتها، فإذا فيها:  قال محمد النبي:  ليس من المؤمنين من لم يأمن جارُه بوائقَه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يؤذي جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو يسكت، إن الله يحب الخَيِّر، الحليم، المتعفف، ويبغض الفاحش، والضنين السَئّال، المُلحِف، وإن الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، وإن الفُحش من البذاء، والبذاء في النار)[9].

 


[1] من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق: ج4، ص419.

[2] الكافي للشيخ الكليني: ج1، ص 241.

[3] الكافي للشيخ الكليني: ج1، ص240.

[4] إشارة إلى حجم هذا الكتاب بالقياس إلى القرآن الكريم .

[5] بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج26، ص39.

[6] حياة الصديقة الزهراء، دراسة وتحليل محمّد جواد الطَبَسي:ص127. 

[7] سورة النور:آية 63.

 [8] مناقب آل أبي طالب ابن شهر آشوب:ج3،ص102.

 [9] دلائل الإمامة لأبي جعفر الطبري:ص1.