علمها (عليها السلام)

كانت الزهراء (عليها السلام)  مرتبطة بالغيب عن طريق أبيها (صلى الله عليه وآله) وعن طريق الوحي أيضا، فقد كانت تتلقى بعض العلوم عن طريق ملك يهبط عليها ـ كما سيأتي ـ، بالإضافة إلى أنها كانت تتلقى العلم من مدينة علم الرسالة وهو النبي(صلى الله عليه وآله)، ومن بابها وهو علي (عليه السلام)، ونحن نذكر هنا حديثين يؤيدان هذا المعنى:

أولهما: رُوي أن الحسن بن علي(عليه السلام)كان يحضر مجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو ابن سبع سنين، فيسمع الوحي فيحفظه، فيأتي أمَه فيُلقي إليها ما حفظه، وكلما دخل عليٌ (عليه السلام) وجد عندها علماً بالتنزيل...)[1].

وثانيهما: عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) قال: (قال أبي لجابر بن عبد الله الأنصاري: إن لي إليك حاجة فمتى يخف عليك أن أخلو بك فأسألك عنها؟ فقال له جابر: أي الأوقات أحببته، فخلا به في بعض الأيام فقال له: يا جابر أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد أمي فاطمة (عليها السلام)  بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما أخبرتك به أمي أنه في ذلك اللوح مكتوب؟ فقال جابر:  أشهد بالله أني دخلت على أمك فاطمة (عليها السلام)  في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فهنيتها بولادة الحسين، ورأيت في يديها لوحا أخضر، ظننت أنه من زمرد، ورأيت فيه كتابا أبيض شبه لون الشمس، فقلت لها: بأبي وأمي يا بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما هذا اللوح؟ فقالت: هذا لوح أهداه الله إلى رسوله (صلى الله عليه وآله) فيه اسم أبي واسم بعلي واسم ابني، واسم الأوصياء من ولدي، وأعطانيه أبي ليبشّرني بذلك، قال جابر:  فأعطتنيه أمك فاطمة (عليها السلام)  فقرأته، واستنسخته، فقال له أبي : فهل لك يا جابر أن تعرضه علي؟ قال: نعم، فمشى معه أبي إلى منزل جابر، فأخرج صحيفة من رق، فقال: يا جابر انظر في كتابك لأقرأ عليك، فنظر جابر في نسخته فقرأه أبي فما خالف حرف حرفا، فقال جابر: فأشهد بالله أني هكذا رأيته في اللوح مكتوبا( . . .  الخ[2].

فهي (عليها السلام) كانت محل عناية السماء في كل ناحية من نواحي حياتها الشريفة، ومن ضمنها العلم، فكانت تنشر هذه العلوم بين الناس قربة إلى الله تعالى، قال الإمام العسكري (عليه السلام): (حضرت امرأة عند الصديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام)  فقالت: إن لي والدة ضعيفة، وقد لبس عليها في أمر صلاتها شيء، وقد بَعَثَتْني إليكِ أسألُكِ، فأجابتها (عليها السلام) عن ذلك، فقالت: لا أشقُّ عليك يا ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله).

قالت فاطمة (عليها السلام):  هاتي وَسلي عمَّا بدا لك، أرأيتِ من اكترى يوماً يصعد إلى سطح بحمل ثقيل، وكراه مائة ألف دينار يثقل عليه؟.

فقالت: لا.

فقالت (عليها السلام) : اكتَرَيْتُ أنا لكل مسألة بأكثر من ملء ما بين الثرى إلى العرش لؤلؤاً، فأحرى أن لا يثقل عَلَيَّ)[3].

وجاءت ـ مَرَّةً ـ امرأةٌ من نساء المسلمين تسأل فاطمة (عليها السلام)  مسائل علمية، فأجابتها فاطمة (عليها السلام)  عن سؤالها الأول.

وظَلَّت المرأة تسألها حتى بلغت أسئلتها العشرة، ثم خجلت من الكثرة، فقالت: لا أَشُقُّ عليك يا ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقالت فاطمة (عليها السلام) : (هَاتِي وَسَلِي عَمَّا بدا لكِ، إني سمعت أبي (صلى الله عليه وآله) يقول: إنَّ عُلمَاء أُمَّتِنَا يُحشرون، فيُخلع عَليهِم مِن الكرامات عَلى قَدَر كَثرةِ علومِهِم، وَجِدِّهِم في إِرشَادِ عِبَادِ الله)[4].

وقد كانت الزهراء (عليها السلام)  المعلمة والمربية حتى للرجال من خلال النساء، فعن الإمام الحسن العسكري قال (عليه السلام): (قال رجل لامرأته:  اذهبي إلى فاطمة (عليها السلام) بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسليها عني:  أنا من شيعتكم أو لست من شيعتكم؟ فسألتها، فقالت (عليها السلام) : (قولي له: إن كنت تعمل بما أمرناك وتنتهي عما زجرناك عنه، فأنت من شيعتنا وإلا فلا).

فرجعت فأخبرته، فقال: يا ويلي ومن ينفك من الذنوب والخطايا، فأنا إذن خالد في النار، فإن من ليس من شيعتهم فهو خالد في النار! فرجعت المرأة فقالت لفاطمة (عليها السلام)  ما قال زوجها..

فقالت فاطمة (عليها السلام)  قولي له: (ليس هكذا فإن شيعتنا من خيار أهل الجنة، وكل محبينا وموالي أوليائنا ومعادي أعدائنا، والمسلّم بقلبه ولسانه لنا ليسوا من شيعتنا إذا خالفوا أوامرنا ونواهينا في سائر الموبقات، وهم مع ذلك في الجنة، ولكن بعد ما يطهّرون من ذنوبهم بالبلايا والرزايا أو في عرصات القيامة بأنواع شدائدها، أو في الطبق الأعلى من جهنم بعذابها، إلى أن نستنقذهم بحبنا منها وننقلهم إلى حضرتنا)[5].

 


[1] مناقب آل أبي طالب ابن شهر آشوب: ج 4، ص6، 7.

[2] الكافي للشيخ الكليني: ج1، ص8.

[3]  بحار الأنوار للعلامة المجلسي :ج2، ص3.

[4] بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج2،ص3.

[5] تفسير الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): 308.