فاطمة (عليها السلام) الأم

وتُثمر شجـرة النبوة، وتلـد فاطمةُ (عليها السلام) الحسـن (عليه السلام) ثـم الحسين (عليه السلام) فيستقبلهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) كاستقباله لميلاد فاطمة (عليها السلام)، ويحتلان من نفسه موقع الولد الحبيب من قلب أبيه الحنون، و تبدأ هذه العلاقة الأبوية والروحية بين رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبين الحسن والحسين (عليهما السلام) من يوم الميلاد، فهي علاقة النبوة بالإمامة، وعلاقة حفظ الشريعة وقيادة الامة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالتبليغ والرسالة، فكانت هذه العلاقة علاقة نسب وروح ومبدأ وهدف، لذا كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحتضن الحسن والحسين ابني فاطمة (عليهم السلام) ويقول (صلى الله عليه وآله): (كل ولد أب فإن عصبتهم لأبيهم، ما خلا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم وعصبتهم)[1].

وقد صبرت فاطمة (عليها السلام)  على الفقر مع زوجها ... فبالإضافة لحالة الفقر العامة التي يعيشها الناس آنذاك كانت حياة علي وفاطمة (عليهما السلام) في بيتهما مثل حياة أبسط الناس من ناحية مستلزمات العيش، مع أنه كان البيت الثاني في الإسلام بعد بيت النبي (صلى الله عليه وآله)، بل هو البيت الأول في الطهر والعفاف لما ضمّه  بين جدرانه من أنفاس أعظم الخلق بعد رسوله (صلى الله عليه وآله)، وهم: أخوه وابنته وريحانتاه (عليهم السلام)، وقد كان يعطف عليهم ويحبهم كثيرا ويفضلهم على جميع المسلمين، ومع ذلك كانوا يعيشون حياة الفقر والفاقة غير معتنين للدنيا وزخارفها مقبلين على الله مستأنسين بقربه تعالى، قال الإمام علي(عليه السلام) يوماً لفاطمة: (يا فاطمة هل عندك شيء؟ قالت: والذي عظّم حقّك ما كان عندنا منذ ثلاثة أيام شيء...)[2]، وكانت (عليها السلام) 
مثال المرأة التي تلتزم بوصية رسول الله (صلى الله عليه وآله): (جهاد المرأة حسن التبعّل)[3]، ولذلك فلنسمع علياً (عليه السلام) يصف حالها وهي تقوم بخدمة بيتها وتربية ابنائها: (..إنها جرّت بالرحى حتى أثّر في يدها واستقت بالقربة حتّى أثر في نحرها، وكنست البيت حتى اغبرّت ثيابها، وأوقدت النار حتّى دكنت ثيابها، وأصابها من ذلك ضر...)[4].

واضطلعت الزهراء (عليها السلام)  بمهمة اُخرى لا تقل عن مهمة مباشرتها لأعمال المنزل، تلك هي تربية الأولاد، فقد وهبها الله كرامة أُمومة الأوصياء، وأعطاها شرف الربط بين النبوة والإمامة، وقد استطاعت أن تجني من نتاج تربيتها أقدس الثمار، فلقد غرست الزهراء (عليها السلام) في نفوس أولادها خصال الخير ومكارم الأخلاق ومعالي الفضيلة، وأرضعتهم مبادئ التوحيد والدفاع عن الحقِّ، فقد روي أنها (عليها السلام)  كانت ترقّص الحسن (عليه السلام) وهي تقول:

أشبه أباك يـا حسـن       واخلع عن الحقّ الرَّسن

واعبــد إلهـاً ذا منـن      ولا تُــوالِ ذا الإحــن[5]

ونشأ أولاد الزهراء (عليها السلام) في ظل رعاية الاُمّ سيدة النساء والأب وصي المصطفى (صلى الله عليه وآله) يحيطهم أشرف الأنبياء والرسل (صلى الله عليه وآله) بحنانه وعطفه وتربيته، فكانوا خيرة البشرية وقدوة الإنسانية.

 


[1] ينابيع المودة لذوي القربى للقندوزي:ج2،ص202.

[2] بحار الأنوار للعلامة المجلسي:ج14،ص197.

[3] الكافي للشيخ الكليني:ج5،ص9.

[4] كنز العمال للمتقي الهندي:ج15،ص508.

[5] أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين: ج١،ص ٥٦٣.