تعتبر الأسماء عند أولياء الله ذات أهمّية كبرى، لأنّها تعبّر عن حقيقة ذاتهم القدسية، وإنّ أوّل من سمّاهم هو الله سبحانه وتعالى، فقد سمّى المسيح عيسى(عليه السلام) بقوله: (إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ)[1]، وسمّى يحيى(عليه السلام) بقوله: (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً)[2].
وإنّ أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)كانوا يهتمّون كثيراًً بالأسماء، وبالخصوص باسم فاطمة، ويحبّون البيت الذي فيه اسم فاطمة، أو البيوت التي تذكر فيها أُمّهم فاطمة(عليها السلام)، فليس إعجاب أو استحسان أنّها سمّيت بفاطمة بل لأسباب ومناسبات، وليست هذه التسمية ارتجالية، بل لأنّها مصداق للحقيقة، بل ومناسبة الاسم مع المسمّى، وصدقه على المسمَّى، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (لفاطمة تسعة أسماء عند الله عزّ وجلّ: فاطمة، والصدِّيقة، والمباركة، والطاهرة، والزكية، والراضية، والمرضية، والمحدَّثة، والزهراء)[3].
فاطمة:
وكفى باسمها «فاطمة» الذي يعني البشارة الكبرى لمواليها ومحبيها، فقد ورد في الحديث أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (إن الله تعالى فطم ابنتي فاطمة وولدها ومن أحبهم عن النار، فلذلك سُمِّيت فاطمة)[4]، وعن جعفر بن محمد (عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) لعلي: (هل تدري لم سُمِّيت فاطمة؟ قال علي: لم سُمِّيت فاطمة يا رسول الله؟ قال: لأنها فُطِمت هي وشيعتُها من النار)[5]، وقال النبي (صلى الله عليه وآله) لفاطمة (عليها السلام) : (شق الله لكِ يا فاطمة اسماً من أسمائه فهو الفاطر وأنت فاطمة)[6].
الصدّيقة:
معناها: المبالغة في التصديق، أي: الكثيرة الصدق، ولأنّها لم تكذب قط، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال لعلي )عليه السلام(: (أُتيتَ ثلاثاً لم يؤتَهن أحد ولا أنا: أُتيتَ صهراً مثلي، ولم أُوت أنا مثلي، وأُتيتَ زوجة صدِّيقة مثل ابنتي، ولم أُوت أنا مثلها زوجة، وأُوتيتَ الحسن والحسين من صلبك، ولم أُوتَ من صلبي مثلهما، ولكنكم منّي وأنا منكم)[7]، وعن علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن(عليه السلام) قال: (إِنَّ فَاطِمَةَ (عليها السلام) صِدِّيقَةٌ شَهِيدَةٌ)[8]، وقال الإمام الصادق(عليه السلام) : (وهي الصديقة الكبرى، وعلى معرفتها دارت القرون الأُولى)[9].
المباركة:
البركة: النماء والسعادة والزيادة، ولقد بارك الله في السيّدة فاطمة (عليها السلام) أنواعاً من البركات، وجعل الخير الكثير في ذرّية رسول الله (صلى الله عليه وآله) من نسلها، لظهور بركتها في الدنيا والآخرة، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (يا فاطمة، ما بعث الله نبياً إلاّ جعل له ذرّية من صلبه، وجعل ذرّيتي من صلب علي)[10]، وفي تفسير قوله تعالى: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ)[11] قيل: الكوثر هو كثرة النسل والذرّية، وقد ظهرت الكثرة في نسله (صلى الله عليه وآله) من وُلد فاطمة حتّى لا يُحصى عددهم، واتصل إلى يوم القيامة مددهم.
الطاهرة:
لقد طهرّها الله تعالى عما تراه النساء من الدم، وعن كلّ دنس ورجس، وعن كلّ رذيلة، فعن أبي جعفر، عن آبائه(عليهم السلام)قال:(إنما سُميت فاطمة بنت محمد الطاهرة، لطهارتها من كل دنس، وطهارتها من كل رفث، وما رأت قط يوماً حمرة ولا نفاساً)[12]، وقال الإمام الصادق(عليه السلام): (إنّ الله حرّم النساء على علي ما دامت فاطمة حية... (. الخبر[13].
الزكية:
معناها: الأرض الطيّبة الخصبة، المطهّرة الطاهرة، فالزهراء (عليها السلام) أزكى أنثى عرفتها البشرية.
الراضية:
معناها: الراضية بما قسم الله لها، فكانت الزهراء(عليها السلام) راضية بما قدّر الله لها من مرارة الدنيا ومشقّاتها ومصائبها ونوائبها، وفيما أعطاها من القرب والمنزلة والطهارة، وغير ذلك من المراتب العالية في الدنيا والآخرة.
المرضية:
إنّ للمرضيين عند الله تعالى درجة عالية، فكانت الزهراء (عليها السلام) مرضية عند الله في جميع أعمالها وأفعالها وما صدر منها خلال مسيرة حياتها، فقد رضي الله عنها ورضيت عنه سبحانه، فهي مرضية بما وعد الله تبارك وتعالى عباده بالرضوان الأكبر.
المُحدَّثة:
معناها: التي تُخبَر بالوقائع والحقائق من وراء حجاب، أو التي تستلهم الأخبار من قبل الله تعالى، عن طريق الوحي، وهو المَلَك، حيث يستفاد من أحاديث عديدة أنّ الملائكة كانت تنزل على فاطمة(عليها السلام) من قبل الله، وتُطلعها على ما يحدث وما سيحدث في المستقبل.
إنّ الوحي الذي خُصّ بتبليغ الرسالة والأحكام ونزول الآيات القرآنية قد انقطع مع وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) لأنّه خاتم الأنبياء، ولا يأتي رسول بعده، وهذه عقيدتنا كما إنّ الدين كامل والنعمة تامّة بولاية أهل البيت (عليهم السلام)، ولكنّ الوحي لم ينقطع بالإيحاء للأولياء والإخبار عن المستقبل، فإنّ الله سبحانه يوحي عن طريق ملائكته لمن يشاء ومتى يشاء، لأنّ الوحي لا يقتصر على الأنبياء، فالله أوحى إلى أُمّ موسى (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ)[14]، وأوحى الله إلى النحل، إذ ليست سيّدة نساء العالمين وبنت سيّدة الأنبياء والمرسلين بأقلِّ شأناً من مريم بنت عمران، أو سارة زوجة إبراهيم، أو أُمّ موسى، وليس معنى ذلك أنّ مريم أو سارة أو أُمّ موسى كنَّ من الأنبياء، وكذلك ليس معنى ذلك أنّ السيّدة فاطمة الزهراء(عليها السلام) كانت نبية.
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إنما سميت فاطمة محدَّثة لأن الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة إن الله اصطفاكِ وطهركِ واصطفاك على نساء العالمين، يا فاطمة اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين، فتحدّثهم ويحدّثونها، فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضلة على نساء العالمين مريم بنت عمران ؟ فقالوا: إن مريم كانت سيدة نساء عالمها، وإن الله عز وجل جعلك سيدة نساء عالمك وعالمها وسيدة نساء الأولين والآخرين)[15].
وإنّ الأئمّة (عليهم السلام) كانوا جميعهم محدّثين في زمانهم، قال سليم بن قيس: سمعت علياً(عليه السلام) يقول: (إنّي وأوصيائي من ولدي مهديّون كلّنا محدَّثون)[16].
الزهراء:
معنى الزاهر: النيّر، الصافي اللون، المشرق الوجه، وكذلك فاطمة الزهراء(عليها السلام)، لأنّ نورها زهر وأشرق لأهل السماء، عن أبي هاشم العسكري قال: سألت صاحب العسكر)عليه السلام(: لِم سمّيت فاطمة الزهراء(عليها السلام) ؟ فقال:(كان وجهها يزهر لأمير المؤمنين(عليه السلام) من أوّل النهار كالشمس الضاحية، وعند الزوال كالقمر المنير، وعند غروب الشمس كالكوكب الدرّي)[17].
وقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (وأمّا ابنتي فاطمة فإنّها سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين، وهي بضعة منّي وهي نور عيني، وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبيّ، وهي الحوراء الإنسية، متى قامت في محرابها بين يدي ربّها(جلّ جلاله) زهر نورها لملائكة السماوات، كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض)[18].
كُناها:
أُمّ أَبيها، أُمّ الحسن، أُمّ الحسنين، أُمّ الريحانتين، أُمّ الأئمّة.
أُمّ أبيها: كانت تحمل هموم أبيها رسول الله(صلى الله عليه وآله) دائماً، كما تحمل الأُمّ هموم ولدها، وكذلك كانت فاطمة (عليها السلام) أحبّ الخلق إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما تكون الأُمّ أحبّ الخلق إلى الابن، فهي أُمّ أبيها كما عن الإمام الباقر(عليه السلام) قال: (كانت فاطمة تكنّى أمّ أبيها)[19]، وهناك وجه آخر لا يخلو من قوة ورجحان وهو: أن الله عز وجل لما شرّف وكرّم أزواج النبي(صلى الله عليه وآله) بتكنيتهن بأمهات المؤمنين صرن في معرض أن يخطر ببالهن أنهن أفضل النساء حتى من بضعة المصطفى فاطمة الزهراء (عليها السلام)، ولأجل ذلك كَنّاها أبوها بأم أبيها منعا من تسرب هذه الخواطر والوساوس، يعني: يا نساء النبي إن كنتن أمهات المؤمنين، ففاطمة(عليها السلام) أم النبي، أم المصطفى، أم الرسول، أم أبيها.
[1] سورة آل عمران: آية 45.
[2] سورة مريم: آية 7.
[3] كشف الغمة للإربلي: ج2، ص91.
[4] ينابيع المودة لذوي القربى للقندوزي: ج2، ص121.
[5] بحار الأنوار للعلامة المجلسي:ج43،ص15.
[6] بحار الأنوار للعلامة المجلسي:ج43،ص15.
[7] الغدير للشيخ الأميني: ج2،ص312.
[8] الكافي للشيخ الكليني: ج1،ص458.
[9] الأمالي للشيخ الطوسي: ص668.
[10] بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج43،ص101.
[11] سورة الكوثر: آية 1.
[12] بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج43،ص19.
[13] مناقب آل أبي طالب ابن شهر آشوب: ج3،ص110.
[14] سورة القصص: آية 7.
[15] بحار الأنوار للعلامة المجلسي:14، ص206.
[16] بحار الأنوار للعلامة المجلسي:ج26، ص79 .
[17] مناقب آل أبي طالب ابن شهر آشوب:ج3، ص 110.
[18] الخصائص الفاطمية لمحمد باقر الكجوري: ج2، ص440.
[19] بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج43، ص19.