إن كلام مولى الموحّدين(عليه السلام) لمنهج البلاغة ومسلك الفصاحة، كلّت ألسن الخطباء عن أن يأتوا بمثل أوامره وخطبه، وزلّت أقدام أقلام الأمراء دون مبارزة رسائله وكتبه، وحارت عقول العقلاء في بيداء مواعظه وحكمه. كيف لا، والقائل مقتبس من الأنوار الإلهية، ومستضيء بالمشكاة الختمية المحمدية، وكلامه مستفاض من الصقع الربوبي، ومستفاد من الحضرة المحمدية، فهو تالي القرآن وثاني الفرقان.
نهج البلاغة هو كلام الإمام علي (عليه السلام)
ذكر العلماء مجموعة من الأدلة على أن نهج البلاغة هو كلام أمير أمراء الفصاحة والبيان، الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) واليك بعضا منها:
1- إن علماء الأمة الصالحين، قد تصدوا لرد هذه الشبهة، التي أطلقها أناس لا يخافون الله، وقد أظهروا رضوان الله تعالى عليهم وقدّس أسرارهم بما لا يقبل الشك أن ما نقله السيد الشريف الرضي في كتاب «نهج البلاغة»، قد رواه علماء عاشوا قبل عهده رحمه الله، في مؤلفاتهم، ومجاميعهم الحديثية،والتاريخية،والأدبية،وغيرها.. وكتاب: «مصادر نهج البلاغة»، للعلامة السيد عبد الزهراء الخطيب، شاهد صدق على ذلك، كما أن نصوص هذه الخطب،والكتب،والأقوال، قد رواها معاصرون، ولاحقون للشريف الرضي، بنحو يظهر منه: أنهم أخذوها عن غيره رحمه الله..
2- إن المدعى هو أن ما في نهج البلاغة قد اختاره الشريف الرضي من روايات ذكرها العلماء في مؤلفاتهم تذكر هذا الكلام لأمير المؤمنين (عليه السلام)، ولم يدَّع أحد أنه عين كلامه (عليه السلام)، من دون زيادة حرف أو نقيصة حرف.. فحال كتاب (نهج البلاغة) من هذه الناحية، حال أي كتاب روائي آخر، فلا يمكن تنزيه الناقل عن السهو، أو النسيان، أو الخطأ، كما لا يمكن تنزيه الراوي أو الرواة الآخرين عن ذلك.
كما أن التعامل معه في مقام الاستدلال إنما يكون وفق الموازين المعمول بها في البحوث العلمية، في مختلف القضايا المتشابهة..
3- لو صح قولهم إن الشريف الرضي هو الذي أنشأ ما في نهج البلاغة من الخطب التي حاولوا التشكيك فيها ـ أو التشكيك في نهج البلاغة لأجلها، مثل الخطبة «الشقشقية» وغيرها مما وجدوا فيه إدانة لخلفائهم،ولنهجهم، وله مساس بعقائدهم فيهم ـ لو صح ذلك ـ فلا بد من اعتبار الشريف أعظم من خلقه الله من عمالقة البلاغة في التاريخ، وأنه حالة فريدة لا يدانيها في مزاياها مخلوق، فيما عدا الأنبياء، والأئمة الأوصياء صلوات الله وسلامه عليهم.. ولكان من المتوقع أن نجده رحمه الله يدَّعي لنفسه مقامات جليلة،وعظيمة، تناسب هذا المستوى من الوعي، وهذه القدرات الهائلة..
4- لقد كان يجب أن نجد لتلك الخطب والمقطوعات الرائعة، نظائر في مؤلفات الشريف الرضي ـ رحمه الله ـ الأخرى، وأن لا يقتصر ذلك على ما أورده في كتاب «نهجالبلاغة». وإذا كانت هذه المنشآت المعجزة، بمثابة بيضة الديك، فلماذا آثر الشريف أن ينحلها لغيره، ولم ينسب منها شيئاً ـ ولو ضئيلاً ـ لنفسه؟!