قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)
(الإِيمَانُ أَنْ تُؤْثِرَ الصِّدْقَ حَيْثُ يَضُرُّكَ، عَلَى الْكَذِبِ حَيْثُ يَنْفَعُكَ، وأَلَّا يَكُونَ فِي حَدِيثِكَ فَضْلٌ عَنْ عَمَلِكَ، وأَنْ تَتَّقِيَ اللهَ فِي حَدِيثِ غَيْرِكَ)[1].
يصور الإمام (عليه السلام) الإيمان وهو قائم على ثلاث ركائز:
الأولى: الصدق.
الثانية: مطابقة القول للعمل، والواقعية.
الثالثة: تقوى الله وخوفه في الغير.
وهذه الركائز الثلاث أسس مهمة لبناء شخصية الإنسان المسلم بالمعنى الصحيح.
لأن الكثير ممن ينطق الشهادتين يتساهل في تطبيق ما يفرضان عليه من التزامات.
فالله ورسوله يحثان على الصدق وتجنب الكذب وتبديل الواقع وتزوير الحقيقة مهما كان الموقف، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على ضرورة الصدق في استقامة حياة المسلم وإلا لتعثرت بالباطل الذي تكون الخسارة فيه أعظم من الربح المنظور.
وكذلك يحثان على عدم التخلف عما يرفعه المسلم من شعارات بل عليه أن يطبق ذلك إن كان مؤمناً بجدواه وواثقاً من أثره الايجابي.
فالتوافق بين الحديث والتطبيق أمر هام للغاية وإلا لأختل ميزان حياة المسلم فلا يستطيع أن يفعل شيئاً أو يحقق هدفا ًكان يصبو إلى تحقيقه لأن المشكلة تكمن في عدم صدم وعدم واقعية المتكلم فلا يدري الانسان بأنه في أي اتجاه يسير وأي شيء يصدق القول، أم الفعل؟
فهذا التذبذب في المواقف وعدم الانتظام يوجد حالة من التوتر والتسيب لا تضيف شيئاً سوى المشكلات.
وكذلك يحثان على الدقة في اداء الحديث وعدم الاضافة فيه مما يضر بالغير وأن ينصفه فلا يبخسه حقه.
فقد يتصرف الانسان - الناقل- فيما سمعه وتترتب على ذلك المشاكل أو يكون في حالة يسعه أن يتكلم بما شاء عن الغير ولكن يترتب على ذلك تلويث السمعة أو الخسارة بأي نحو كانت.
فلا بد من التقوى سواء في اجتناب الكذب أو في اجتناب تخلف القول عن العمل أو في النقل عن الغير إن كان بصورة التحدث عن شخصيته أو نقل حديثه وهذا تحديد دقيق لهوية الايمان يلزمنا الالتزام التام به[2].
الصدق في القرآن الكريم والسنة الشريفة:
لا يسعنا المقام للتكلم عن الركائز الثلاث التي ذكرها الإمام(عليه السلام) ونختصر على ركيزة واحدة ألا وهي صفة الصدق، فالصدق: هو مطابقة القول للواقع، وهو أشرف الفضائل النفسية، والمزايا الخلقية، لخصائصه الجليلة، وآثاره الهامة في حياة الفرد والمجتمع.
فهو زينة الحديث ورواؤه، ورمز الاستقامة والصلاح، وسبب النجاح والنجاة، لذلك مجّدته الشريعة الاسلامية، وحرضت عليه، قرآناً وسنةّ.
قال تعالى: (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ* لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ)[3].
وقال تعالى: (هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا)[4].
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[5].
وهكذا كرَّم أهلُ البيت(عليهم السلام) هذا الخلق الرفيع، ودعوا إليه بأساليبهم البليغة الحكيمة:
قال الصادق(عليه السلام): «لَا تَغْتَرُّوا بِصَلَاتِهِمْ ولَا بِصِيَامِهِمْ فَإِنَّ الرَّجُلَ رُبَّمَا لَهِجَ بِالصَّلَاةِ والصَّوْمِ حَتَّى لَوْ تَرَكَه اسْتَوْحَشَ ولَكِنِ اخْتَبِرُوهُمْ عِنْدَ صِدْقِ الْحَدِيثِ وأَدَاءِ الأَمَانَةِ»[6].
وقال النبي(صلى الله عليه وآله): «زينة الحديث الصدق»[7].
وقال أمير المؤمنين(عليه السلام): «رأس الإيمان الصدق»[8].
وعنه(عليه السلام): «إلزموا الصدق فإنّه منجاة»[9].
وعنه(عليه السلام): «وعليك بإخوان الصدق فأكثر من اكتسابهم، فإنهم عدة عند الرخاء وجنة عند البلاء»[10].
وعنه(عليه السلام): «الصدق صلاح كل شئ، الكذب فساد كل شيء»[11] وعنه(عليه السلام): «اغتنم الصدق في كل موطن تغنم واعتزل الشر والكذب تسلم»[12]. وقال الصادق (عليه السلام): «مَنْ صَدَقَ لِسَانُه زَكَى عَمَلُه»[13].
أي صار عمله ببركة الصدق زاكياً نامياً في الثواب، لأنّ الله تعالى - إنّما يقبل من المتقين- والصدق من أبرز خصائص التقوى وأهم شرائطه.
مجلة بيوت المتقين العدد (97)
[1] نهج البلاغة، تحقيق صالح: ص556.
[2] انظر: أخلاق الإمام علي(عليه السلام)، السيد صادق الخرسان: ج1، ص130.
[3] الزمر: آية33-34.
[4] المائدة: آية119.
[5] التوبة: آية 119.
[6] الكافي، الشيخ الكليني: ج2، ص104.
[7] الأمالي، الشيخ الصدوق: ص576.
[8] غرر الحكم: ح1350.
[9] الخصال، الشيخ الصدوق: ص614.
[10] الأمالي، الشيخ المفيد: ص380.
[11] عيون الحكم والمواعظ: علي بن محمد الليثي الواسطي: ص44.
[12] عيون الحكم والمواعظ: علي بن محمد الليثي الواسطي: ص77.
[13] الكافي، الشيخ الكليني: ج2، ص104.