قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)
(إِنَّ مَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ مَلَكَيْنِ يَحْفَظَانِه، فَإِذَا جَاءَ الْقَدَرُ خَلَّيَا بَيْنَه وبَيْنَه، وإِنَّ الأَجَلَ جُنَّةٌ حَصِينَةٌ)[1]
إن من المؤكد الطبيعي لدى الجميع -إلا من قل- الخوف من المستقبل والتوجس خيفة مما يقع واتخاذ إجراءات السلامة والاحتياط لأجل الحفظ والحراسة.
وسبب ذلك واضح لأن الجميع يريد البقاء وطول المدة في الحياة فيدفع بجهده كل ما يحول دون ذلك وربما في غمرة هذه الاجراءات الاحتياطية ينسى الإنسان وجود قوة تحفظه ولا يؤثر في ديمومتها وبقائها سلاح -مهما كان متقدما- وإنما يخضع السلاح في تأثيره إليها، وتلك القوة هي قوة الحماية والسلامة التي يهيئها الله تعالى للمخلوقين على اختلافهم وتعددهم وتوزعهم الجغرافي وانتشارهم في الآفاق الكونية، بحيث لا يعجزها حفظ أحد مهما كان حجمه وموقعه ومصدر الخطر عليه وحجم قوة الحفظ والسلامة له؛ لأنه تعالى خالق كل شيء وبيده مقاليد الأمور، فإنه خلق ملائكة حفظه تقوم بهذه الواجبات يمكنها اختراق الحواجز مهما قويت وسلحت، إذ الملائكة أرواح مجردة شفافة لا تحتل مساحة أو حيزاً فمن السهولة جداً رعايتها المكثفة لكل مخلوق حتى يبلغ الكتاب أجله ويأذن تعالى بقبض روح المخلوق فتتركه وقدره كيما تجري إرادة الله تعالى بشكل طبيعي من دون ما معارضة أو محاجزة.
والإمام (عليه السلام) يدعونا للتنبه إلى هذا الأمر والوثوق بحفظ الله تعالى ورعايته للجميع فلا بد أن لا نخشى سواء لأنه تكفل بحفظنا مضافا إلى انه محيط بكل شيء علما، فإذا توجه نحونا مصدر الخطر دفعه عنا وحال بيننا وبينه بقوته وتدبيره وليس بالضرورة إدراكنا لشكل مصدر الوقاية أو نوعه.
فالوقت المحدد لرحيل المخلوق هو الكفيل ببقائه حتى يحين، فلا بد من التخفف من القلق والخوف وإنما الاجدى اتخاذ الاحتياطات المناسبة مع التوكل على الله تعالى والالتجاء إلى حفظه وحياطته لا الاعتماد على تلك الاحتياطات فإنها مهما كانت فهي محدودة ومتناهية[2].
ومضة من نور:
حقيقة الملائكة وصفاتهم:
وَرَدَ بيان الملائكة وصفاتهم في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة، حيث وصف الله عَزَّ وجَلَّ الملائكة بأنهم خَلْقٌ من مخلوقاته جَلَّ جَلالُه، وهم ذو إرادة وعقل وأجنحة وحياة وموت، وهم عبادٌ لله يعبدونه ويعملون بأمره ولا يعصونه، وليست لهم نفس أمّارة بالسوء، وهم على درجات من الفضل فمنهم الروح الأمين، وروح القدس، ومنهم الملكان اللذان يسجّلان عمل الإنسان، ومنهم ملك الموت وأعوانه ومنهم الملائكة الحافظين وغيرهم من الملائكة.
هذا ويختار الله من الملائكة رسلاً لتبليغ الوحي وإنزال المقدّرات في ليلة القدر، ويحشرون يوم القيامة، ويقومون بما يأمرهم الله به ولا يعصونه.
وقَدْ يتمثّل الملائكة أحياناً بصورة إنسان عند أداء واجبهم، ويختار الله منهم رسله لتبليغ رسالة الله جَلَّت قدرته.
وقد أخبر الله جَلَّ جَلالُه عن بعض صفاتهم وأشار إلى بعض خصوصياتهم في آيات من كتابه الكريم، نذكر منها ما يلي: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ)[3].
(تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ)[4].
(وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي الله وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ)[5].
(يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ)[6].
(الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)[7].
(الله يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ)[8].
أمير المؤمنين (عليه السلام) يصف الملائكة:
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) وهو يتحدَّث عن خلق الملائكة: «ثُمَّ فَتَقَ مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ الْعُلَا فَمَلَأَهُنَّ أَطْوَاراً مِنْ مَلَائِكَتِهِ، مِنْهُمْ سُجُودٌ لَا يَرْكَعُونَ، وَرُكُوعٌ لَا يَنْتَصِبُونَ، وَصَافُّونَ لَا يَتَزَايَلُونَ، وَمُسَبِّحُونَ لَا يَسْأَمُونَ، لَا يَغْشَاهُمْ نَوْمُ الْعُيُونِ، وَلَا سَهْوُ الْعُقُولِ، وَلَا فَتْرَةُ الْأَبْدَانِ، وَلَا غَفْلَةُ النِّسْيَانِ، وَمِنْهُمْ أُمَنَاءُ عَلَى وَحْيِهِ، وَأَلْسِنَةٌ إِلَى رُسُلِهِ، وَمُخْتَلِفُونَ بِقَضَائِهِ وَأَمْرِهِ، وَمِنْهُمُ الْحَفَظَةُ لِعِبَادِهِ وَالسَّدَنَةُ لِأَبْوَابِ جِنَانِهِ، وَمِنْهُمُ الثَّابِتَةُ فِي الْأَرَضِينَ السُّفْلَى أَقْدَامُهُمْ، وَالْمَارِقَةُ مِنَ السَّمَاءِ الْعُلْيَا أَعْنَاقُهُمْ، وَالْخَارِجَةُ مِنَ الْأَقْطَارِ أَرْكَانُهُمْ، وَالْمُنَاسِبَةُ لِقَوَائِمِ الْعَرْشِ أَكْتَافُهُمْ، نَاكِسَةٌ دُونَهُ أَبْصَارُهُمْ، مُتَلَفِّعُونَ تَحْتَهُ بِأَجْنِحَتِهِمْ، مَضْرُوبَةٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنْ دُونَهُمْ حُجُبُ الْعِزَّةِ وَأَسْتَارُ الْقُدْرَةِ، لَا يَتَوَهَّمُونَ رَبَّهُمْ بِالتَّصْوِيرِ، وَلَا يُجْرُونَ عَلَيْهِ صِفَاتِ الْمَصْنُوعِينَ، وَلَا يَحُدُّونَهُ بِالْأَمَاكِنِ، وَلَا يُشِيرُونَ إِلَيْهِ بِالنَّظَائِرِ»[9].
أقسام الملائكة:
قال العلامة المحقق السيد مرتضى العسكري: إنّ الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) جعل الملائكة أربعة أقسام:
الاوّل: أرباب العبادة، ومنهم الراكع، والساجد، والصافّ، والمسبّح، وقوله «صافّون» أي: قائمون صفوفا، وقوله: «لا يتزايلون» أي: لا يتفارقون.
الثاني: الامناء على وحي الله لأنبيائه، والالسنة الناطقة في أفواه رسله، والمختلفون بالأقضية إلى العباد: بهم يقضي الله على من شاء بما شاء.
الثالث: حفظة العباد، كأنهم قوى مودعة في أبدان البشر ونفوسهم، يحفظ الله الموصولين بها من المهالك والمعاطب، ولولا ذلك لكان العطب ألصق بالإنسان من السلامة، ومنهم سدنة الجنان، جمع سادن، وهو الخادم، والخادم يحفظ ما عهد إليه وأقيم على خدمته.
الرابع: حملة العرش، ولعلّهم هم المأمورون بتدبير أمر العالم من إنزال المطر وإنبات النبات وأمثالها ممّا يتعلّق بربوبيّة ربّ العالمين لعوالم المخلوقات.
مجلة بيوت المتقين العدد (93)