قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)
(إِنَّ أَعْظَمَ الْحَسَرَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَسْرَةُ رَجُلٍ كَسَبَ مَالاً فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللهِ، فَوَرَّثَهُ رَجُلٌ فَأَنْفَقَهُ فِي طَاعَةِ اللهِ سُبْحَانَهُ، فَدَخَلَ بِهِ الْجَنَّةَ، وَدَخَلَ الْأَوَّلُ بِهِ النَّارَ) [1]
الدعوة إلى التوازن في كسب الثروة فلا داعي للتعجل، أو الإغماض في تكوين الرصيد، وتجميع المال؛ لأن الإنسان مسؤول غداً عن تقديم لائحة بما ورد إليه وبما صدر عنه، معززةً بالمعلومات الصحيحة وإلا نال العقاب، وربما يوجد مَنْ لا ينفع معه هذا الأسلوب من الإقناع في الابتعاد عن الحرام فنجده(عليه السلام)
يبين حالة أخرى وهي أن الإنسان الذي يشقى بجمع الثروة من الطرق الملتوية وغير المشروعة سوف يفارق المال، فإذا ورث المال لمن هداه الله تعالى ليستعمله في الحلال، وفيما يرضاه عز وجل من سبل الخير -سواء لنفسه أو لعياله أو الآخرين- فحتماً سيكون الثواب والجزاء الأوفى للمنفق المباشر لا للمورث صاحب المال.
وفي هذه النتيجة من الحسرة والتألم النفسي على المُكتسِب الذي لم يبال في جهة كسب المال، وإنما كان المهم عنده جمع المال والاستحواذ عليه بأي شكل كان، ومهما كانت نسبة الخطر فيه ومن جرائه لمجرد تحقيق رغبته في تحصيل المال، وليُعد من أصحابه، ولا ينفقه في سُبُل الإنفاق المرضية لله تعالى، ولا بد أن لا ننسى الحكم الشرعي، ولو كنّا في مجال أخذ العبرة والموعظة؛ وذلك لأنه يجب على الوارث أن يؤدي -ما يعلم بأنه حرام على مورّثه- إلى أصحابه فإن لم يمكنه ذلك لفقدهم وتعذر التعرف على احوالهم، ومن يتعلق بهم، فيتصدق بالمال عنهم ليكون بذلك مخففاً من بعض الثقل على مورّثه أيضاً، ليكون ما يأخذه حلالاً له وإلا فإذا كان يعلم بوجود حق للآخرين لا يجوز له التصرف حتى يؤديه لأصحابه ولا ينفعه التصدق لو لم يفعل إتكالاً على الحكمة لأن الإمام (عليه السلام) لا يغير حكماً شرعياً بل يؤكده ويحث على امتثاله، وكما لا بد أن لا ننسى أن المال الذي نجمعه ونسعى في تحصيله بجهودنا الشخصية الذاتية هو منحة من الله تعالى تفضل بها علينا وكان دورنا منحصراً بالوصول إليها والحصول عليها.
فالمال ننتفع منه ونملكه ما دمنا في الدنيا فإذا فارقناها، فارقنا المال، انتقل إلى غيرنا، فلا يتعلل البعض بأن هذا المال حصلت عليه من تعبي وكدّي؛ لأنهما ينحصران في استخراجه والوصول إليه فقط؛ لأن الدنيا وما فيها ومَنْ فيها مخلوقة لله تعالى رب العالمين، لا نملك منها إلا ما أذن لنا فيه[2].
ومضة من نور:
لا بأس أن نبين بعض آثار الكسب المحرم على الإنسان من خلال القرآن الكريم وروايات أهل البيت(عليهم السلام):
1- مرض القلوب وقسوتها: قال الله تعالى: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[3].
2- أكل الحرام أكل للنّار: قال الله عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرً)[4].
3- لا بركة فيه ولا أجر على إنفاقه: قال الله جل ذكره: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورً)[5].
قال الإمام الصادق (عليه السلام): «من أكل من مال أخيه ظلماً ولم يردّه إليه أكل جذوة من النّار يوم القيامة»[6].
4- آكل الحرام لا يستجاب دعائه: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «أطيب كسبك تستجب دعوتك، فإن الرجل يرفع اللقمة إلى فيه فما تستجاب له دعوة أربعين يوما»[7].
قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «من أكل لقمة حرام لم تقبل له صلاة أربعين ليلة، ولم تستجب له دعوة أربعين صباحاً، وكل لحم ينبته الحرام فالنار أولى به، وإن اللقمة الواحدة تنبت اللحم»[8].
وقال(صلى الله عليه وآله): «قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ..)[9]، إن أحدهم يرفع يديه إلى السماء ويقول يا رب! يا رب! ومطعمه من حرام، ومكسبه من حرام، وغذي من حرام، فأنى يستجاب لهذا؟ وأي عمل يقبل لهذا؟ وهو ينفق فيه من غير حل»[10].
وروي عن الأئمة (عليهم السلام) أنهم قالوا: «من حج بمال حرام نودي عند التلبية: لا لبيك عبدي ولا سعديك»[11].
5- اكل الحرام يقسي القلب ويحيطه بالظلمة: قال سيد الشهداء(عليه السلام) ضمن خطبته لجيش ابن سعد: «فقد مُلئت بطونكم من الحرام وطبع على قلوبكم، ويلكم ألا تنصتون؟ ألا تسمعون؟»[12].
6- يمنع قبول العبادات: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «اذا وقعت اللقمة من حرام في جوف العبد لعنه كل ملك في السماوات والارض»[13].
وقال أيضاً (صلى الله عليه وآله): «العبادة مع اكل الحرام كالبناء على الرمل»[14].
7- يسلب البركة من المال: روي عن الإمام الصادق(عليه السلام): «من كسب مالاً من غير حل سلط الله عليه البناء والماء والطين»[15].
مجلة بيوت المتقين العدد (92)
[1] نهج البلاغة، تحقيق صالح: ص552.
[2] انظر: كتاب أخلاق الإمام علي (عليه السلام)، السيد محمد صادق الخرسان: ج1، ص121.
[3] سورة المطففين: آية 14.
[4] سورة النساء: آية10.
[5] سورة الفرقان: آية 23.
[6] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج16، ص53.
[7] مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي: ص275.
[8] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج63، ص315.
[9] سورة البقرة: آية 267.
[10] تنبيه الخواطر، (مجموعة ورام) لورام المالكي النخعي: ج2، ص545.
[11] من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق: ج2، هامش ص216.
[12] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج45، ص8.
[13] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج63، ص314.
[14] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج81، ص258.
[15] الخصال، الشيخ الصدوق: ص159.