قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)
(إِنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْكُمُ فَرَائِضَ فَلاَ تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ لَكُمْ حُدُوداً فَلاَ تَعْتَدُوهَا، وَنَهَاكُمْ عَنْ أَشْيَاءَ فَلاَ تَنْتَهِكُوهَا وَسَكَتَ لَكُمْ عَنْ أَشْيَاءَ وَلَمْ يَدَعْهَا نِسْيَاناً فَلاَ تَتَكَلَّفُوهَا)[1]
الله جل وعلا فرض الفرائض وألزم بفعلها قال: (وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)[2]، وقال: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ)[3] إلى غير هذا من الآيات الكريمة.
وحد حدودًا فلا يجوز تعدّيها، قال تعالى: (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا)[4] على ما بيّن سبحانه، فلا تتعدّوا الحدود في الصلاة، ولا في الصوم، ولا في الزكاة، ولا في الحج، ولا في غيرها، و يجب الوقوف عند الحدود لا يزاد ولا ينقص، وحرم أشياء فلا يجوز انتهاكها كالزنا والخمر وعقوق الوالدين وقطيعة الرحم والربا وغيرها يجب الحذر منها، لا يجوز انتهاكها، وسكت عن أشياء رحمة لنا غير نسيان، فلا ينبغي البحث عنها كما قال جل وعلا: (لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ)[5] فسكت الله عنها، ولم يفرضها علينا، ولم يحرمه علينا، فلا حاجة إلى البحث عنه.
ففي هذه الحكمة بيّن أمير المؤمنين (عليه السلام) عدة نقاط مهمة يعوزنا الالتزام بها، إذ الكثير يسأل عمّا وراء التكليف الشرعي، أو يتساهل في تنفيذ أحكام إلهيّة بقسميها الأمر والنهي.
وهو أمر يشق كثيراً على الموجهين إذ يبعد المسافة ويهيء لجو من التعللات العليلة في ذاتها كعدم الاقتناع بالأثر، بالأهمية والجدوى، بالسبب وغيرها، وهذا ما يدركه المصلحون الموجهون فإنه يخرّب خطة الإصلاح ومنهاج الإرشاد، ويعطّل القدرات المتهيئة لذلك، وعندئذٍ تنحرف المسيرة عن خطها الأساس إلى فروع جانبية لا تكتسب أهمية بل هي من صوارف الشيطان.
فلهذا ونحوه دعانا أمير المؤمنين (عليه السلام) للالتزام بالتعاليم والتوجيهات والسير على منهاجها، والاهتمام بتنفيذها، وترك التطلع إلى المزيد من العمل؛ لأنه لو كان مناسباً لما أغفله خالق السماوات والأرض، العالم بالسرائر والخفيات، الذي لا يعجزه شيء.
فأما إذ اسكت عنه ولم يكلف به فما هو إلّا وفق المصلحة والحكمة التي لا تدركها عقول المخلوقين مهما كانت قواها لسبب بسيط جداً لأن العقول وأصحابها مخلوقة له، فهو الموجد لها، والمودع فيها القدرة والقابلية على التفكير والإبداع فهو - بالطبع - أقوى إدراكاً وأنفذ رأياً وأحزم وأحكم وأعلم، فلا موجب بعدئذٍ للسؤال والاستفسار عن أمور متروكة لمصلحة عُليا، وإنما الواجب التوجه نحو امتثال الأوامر والانزجار عن النواهي، وعدم التعرض لما لم يبيّن من وجهة تشريعية، فان التشريع القائم يغطي مساحة عمر الإنسان ووقته، فقد بُرمج وفق المناسب لحال كل فرد بحسب اختلاف جنس وزمان ومكان وفئة وحالة كل إنسان بما للكلمة من شمولية[6].
مجلة بيوت المتقين العدد (89)