قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)
(إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ فَرَضَ فِي أَمْوَالِ الْأَغْنِيَاءِ أَقْوَاتَ الْفُقَرَاءِ، فَمَا جَاعَ فَقِيرٌ إِلاَّ بِمَا مُتِّعَ بِهِ غَنِي، وَاللهُ تَعَالَى سَائِلُهُمْ عَنْ ذلِكَ)[1]
إن مما يدركه كل عاقل صغيراً كان أم كبيراً، هو التفاوت الطبقي والمادي والاقتصادي بين أفراد الناس؛ فإنه أمر تقتضيه المصلحة العامة لنظام العالم وإلّا لتعطلت كثير من المصالح والأعمال، ولما طُبِّقت بعض الفقرات المهمة في نظام التشريع، وفوق هذا وذاك الحكمة الإلهية التي لا يدركها البشر.
فإذا كان هذا أمر طبيعي فهل يُترك جانباً، ويُقبل كأمر واقع، أو يُبحث عن وسائل تتفادى الوقوع في الأزمات والمشكلات المترتبة على ذلك التفاوت؟ وهذا ما اختاره أمير المؤمنين(عليه السلام) ضمن هذه الحكمة، فهو يدعونا إلى التواسي والتراحم فيما بيننا، وأن نحقّق مبدأ التكافل الاجتماعي بأدق صورة ممكنة، وقد هيئ لنا فرصة تحقيق ذلك عن طریق تأمين قوت الفقير؛ لأنه المهم فإن الإنسان إذا أمّن هذا الجانب فقد أمن المجتمع غوائله وتفكيره الإجرامي الفتاك الذي يثيره الحقد على الغني، والضغينة المتأججة على من حواليه؛ لأنه يشعر بأنه وصل إلى الفقر نتيجة غنى من حواليه، أما إذا وفرّنا للفقير لقمة العيش وتعاوناً في سبيل ذلك، ولم نُصب بداء الاتكالية، فقد أحرزنا بقاءه ضمن شريحة المجتمع الصالح نستفيد منه ويستفيد منّا، ونعيش جميعاً بسلام لا ينغصنا سؤال الفقير وصراخ الصغار الجياع.
ولو اقتفينا أثر أمير المؤمنين(عليه السلام) في هذه الحكمة لما بلغ حال جياع العالم ما بلغه من المجاعة الغالبة في بعض البلدان، أو المجاعة النسبية في البعض الآخر.
ولو ألقينا نظرة فاحصة لأبرز عوامل التكافل الاجتماعي في النظام الإسلامي، لوجدنا أنه أمّن للفقير نصيبه الذي يسعف حاجته، ويكفل له لوازم الحياة المختلفة، فمن ذلك الزكاة بقسميها للأموال وللأبدان ـ الفطرة ـ والكفّارات بأقسامها المتنوّعة عند المخالفات في الصيام، والحج، والنذر، واليمين، والعهد، والنكاح في موارد الظهار والإيلاء والوط أيام العادة الشهرية، والتزويج بامرأة ذات بعل، أو في أثناء العدة من الطلاق الرجعي بعد الحكم بلزوم المفارقة ثم التكفير، على تفصيل في جميع الموارد يطلب في محلّه من المصادر الفقهية.
وهي تتشكّل بشكل الإطعام والإكساء في بعض مواردها بما يسدّ الحاجة ـ غالباً ـ .
ثم الصدقات المندوبة، ورد المظالم، والتصدّق بمجهول المالك، واللّقطة، والحث على الهدية والوصية وغيرها.
وهذه المواد متعددة الموارد والمناسبات إلّا أنها تتّحد في صرفها على الفقراء الذين لا يملكون قوت سنة كاملة لأنفسهم، أو متعلقيهم ممن يجب الإنفاق عليهم، كالزوجة، والأولاد، والأبوين، أو الأرحام أحياناً.
ومن هنا يتجلّى لنا أن الله سبحانه وتعالى قد أعطى كل واحد حقّه المناسب من الرزق المادي، إما بسعي العبد مباشرة أو بواسطة الأُمناء، كما ورد فيما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام) التعبير بـ (الأمناء) عن الأغنياء في قوله(عليه السلام): «مياسير شيعتنا أمناؤنا على محاويجهم، فاحفظونا فيهم يحفظكم الله[2]»[3].
مجلة بيوت المتقين العدد (85)