إن للقلوب شهوةً وإقبالاً وإدباراً، فأتوها من قبل شهوتها وإقبالها

قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)

(إِنَّ لِلْقُلُوبِ شَهْوَةً وَإِقْبَالاً وَإِدْبَاراً، فَأْتُوهَا مِنْ قِبَلِ شَهْوَتِهَا وَإِقْبَالِهَا، فَإِنَّ الْقَلْبَ إِذَا أُكْرِهَ عَمِيَ)[1]

من المعلوم أن قسر النفس والجاءها إلى القيام بعمل لا ترغب به ولا تتفاعل معه يأتي بنتائج عكسية أو أقل من مستوى الأمل والطموح، وهذا أمر يتفق فيه جميع بني الإنسان؛ ولذا كانت مجاهدة النفس ومغالبة الهوى ومحاولات الترويض والتهذيب؛ ليتمكن الإنسان من مسك زمام النفس، والسيطرة عليها، والتحكم فيها، والتمكن المريح منها.

فالإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) يدعونا لأن نختار الأوقات المناسبة - أو لنهيء الحالات الملائمة - ولا نترك القياد للنفس التي تحب الراحة والكسل، فإذا توفرنا على ذلك أحرزنا النتيجة المرجوة المأمولة من العمل، وكسبنا الجزاء الموعود دنيوياً أو أخروياً.

وهذا التوجه القلبي أو الانصراف أمر سائد في كل المجالات الدينية والدنيوية، فإنه يحكم تصرفات الإنسان ولا يمكنه السيطرة والتغلب على إظهاره - إلا نادراً - إذ يبيّن على صفحات الوجوه ويُقرأ من العيون - كما يقولون-  فلنَسِرْ على خطى الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) في توجيهيه السامي ضمن هذه الحكمة؛ لتكون أعمالنا وإنجازاتنا مثمرة مقبولة بعيدة عن القسر والنمطية والروتين والعادة الموروثة، وإنما تنبض بروح الجدية والشوق والسعي نحو التكامل المنشود للإنسان. وقد أتى هذا المعنى على لسان أهل البيت(عليهم السلام) أيضاً فعن الإمام الصادق(عليه السلام): «إن القلب يحيا ويموت، فإذا حيي فأدبه بالتطوع، وإذا مات فاقصره على الفرائض»[2].

وعن الإمام الرضا(عليه السلام) أنه قال: «إن للقلوب إقبالاً وإدباراً، ونشاطاً وفتوراً، فإذا أقبلتْ بصرتْ وفهمتْ، وإذا أدبرتْ كلّتْ وملّتْ، فخذوها عند إقبالها ونشاطها، واتركوها عند إدبارها وفتورها»[3].

ومنه يتضح أنه في مورد المستحبات لا ينبغي على المؤمن أن يجبر نفسه على إتيانها إن لم يكن للقلب إقبال عليها ورغبة فيها، وكذا لا ينبغي عليه أن يرغم النفس على تجنب المكروهات إن لم يوجد في النفس استعداد وداعٍ إلى الامتناع عنها، ولكن فليحذر فإن كثرة فعل المكروهات قد تجره إلى إتيان المحرمات أو التهاون في فعل الواجبات.

وأما فعل الواجبات وترك المحرمات فلا سبيل إلى ردع النفس عنها وإن لم يوجد في القلب إقبال عليها.

ولكن ورد في بعض الأخبار كما في كتاب الكافي عن أبي جعفر الإمام الباقر (عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق، ولا تكرهوا عبادة الله إلى الله، فتكونوا كالراكب المنبت الذي لا سفراً قطع ولا ظهراً أبقى»[4].

أي أن على الإنسان المؤمن أن يتدرج في التدين، ولا يشق على نفسه فيحملها فوق طاقتها، ولكن ذلك كما يظهر في عمل المستحبات وترك المكروهات، أما الواجبات والمحرمات فلا رخصة من الشارع في عدم الإتيان بها، فإن الامتناع عن الامتثال بفعل الواجب وترك المحرم لا يجوز، والإنسان فيه غير معذور[5]

مجلة بيوت المتقين العدد (83)

 


[1] نهج البلاغة: الحكمة 190.

[2] أعلام الدين في صفات المؤمنين، الديلمي: ج1، ص304.

[3] البحار، المجلسي: ج78، ص354.

[4] الكافي، الكليني: ج2، ص86.

[5] انظر: أخلاق الإمام علي(عليه السلام)، السيد صادق الخرسان: ج1، ص104.