قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)
(أَقِيلُوا ذَوِي الْمُرُوءَاتِ عَثَرَاتِهِمْ، فَمَا يَعْثُرُ مِنْهُمْ عَاثِرٌ إِلاَّ وَيَدُ اللهُ بِيَدِهِ يَرْفَعُهُ)[1]
المروءات جمع المروءة لغة: النخوة، كمال الرجوليَّة[2].
اهتمام واضح بالمتصف بصفة المروءة، وفي ذلك تشجيع، وتحبيذ ودعوة لاتصافنا بها، ولتكاملنا ضمن خطها لما فيها من معانٍ سامية يهتم بها الإمام (عليه السلام) لأنها من أهداف الإسلام.
فإذا كان الإنسان متصفاً بهذه الصفة الكريمة فالإمام(عليه السلام) يدعونا للصفح والغض عن خطئه ويجبّب لنا التسامح وقبول العذر - لو اعتذر- تكريماً لهذه الصفة وتعزيزاً لها في النفوس وتبياناً بأن الإنسان معرض للتجاوز والخطأ، فلا بُدّ للآخرين أن يساعدوه -على تلافي التكرار وعدم الوقوع مرة أخرى- بقبول العذر بل وابتغاء العذر له -لو أمكن- لأن هذا الجانب الأخلاقي مهم جداً في تسيير عجلة الحياة الاجتماعية وإلّا لتعطلت وتكثرت الحواجز والمعرقلات؛ لأن الإنسان معرض دائما بحكم طبيعته للتورط من خلال تصرف أو كلام، وفي الغالب يعتذر ويندم على ما صدر منه.
فحريّ بنا -نحن المسلمون- الإصغاء لهذه الدعوة الكريمة والامتثال والتطبيق لموادّها كي نضمن تبادل التسامح والتغاضي والصفح عنا لو بدرت أخطاء من أي فرد منّا.
وقد عبر (عليه السلام) عن الأخطاء بالعثرة التي هي (السقطة الزلة)[3].
ولعل صدورها من الإنسان إنما هو لتنبيهه إلى أمر يتغافل عنه -خصوصاً لو بلغ مرتبة تُوهِمُهُ بالكمال- وهو الطبيعة البشرية القائمة على صدر الخطأ قولا أو فعلا وأن المعصومين من الخطأ معينون مخصوصون ومَن عداهم فهم يتفاوتون في درجات الكمال فلا داعي لأن يشمخ بعضنا على البعض الآخر.
ومما هو جدير بالاهتمام أن الإنسان المسلم الملتزم المتمسك بحبل الله ورسوله وأوليائه مدعوم بدعم الهي لئلا تتعرقل سيرته الحياتية، وذلك بعدة صور وأشكال إما بأن يبادر للاعتذار، وإما بأن يرق له قلب الطرف الآخر ـ المعتدى عليه ـ وإما بالاعتراف بالخطأ فيعطى فرصة التراجع، وإما بعدم الإصرار على الخطأ والندم القلبي على ما صدر منه، وإما التوبة والاستغفار أيضاً مما يساعد على عدم توقف الحالة أو تشنج الوضع بل تسير الأمور كجاري العادة الطبيعية، كل ذلك بتأييد الله تعالى وتسديده ومنته وقوته فإن (اليد) بمعنى النعمة والرحمة والقدرة؛ فإنه تعالى ينعم عليه بتلاقي الحالة ويرحمه بأن لا يصّر على الخطأ لأنه عز وجل القادر على العباد، كل ذلك من دون الجاء أو تأثير مباشر وإنما يهديه للتي هي أقوم وأحسن وأليق بحال هكذا إنسان تتمثل فيه الإنسانية وكل صفات الرجل القوي الذي عوّد نفسه على جيد الأفعال والأقوال الذي يبالي بما قال وبما قيل له، وهذه الحالة لا تترسخ إلّا بالممارسة والمجاهدة للهوى الغلاّب، وإلّا فمن السهل جداً إطلاق العنان وعدم السيطرة فيتفوه أو يتصرف بما شاء من دون مراقبة.
ومن الجدير بالذكر أنه قد جاء في المثل (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم)[4].[5]
مجلة بيوت المتقين العدد (81)