افعلوا الخير ولا تحقروا منه شيئا

قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)

(افْعَلُوا الْخَيْرَ وَلاَ تَحْقِرُوا مِنْهُ شَيْئاً...)[1]

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «افْعَلُوا الْخَيْرَ وَلاَ تَحْقِرُوا مِنْهُ شَيْئاً، فَإِنَّ صَغِيرَهُ كَبِيرٌ وَقَلِيلَهُ كَثِيرٌ، وَلا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: إِنَّ أَحَداً أَوْلَى بِفِعْلِ الْخَيْرِ مِنِّي فَيَكُونَ وَاللهِ كَذلِكَ، إِنَّ لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ أَهْلاً، فَمَهْمَا تَرَكْتُمُوهُ مِنْهُمَا كَفَاكُمُوهُ أَهْلُهُ»[2].

حث أمير المؤمنين (عليه السلام) على عمل الخير وعدم تحقيره أو استصغاره ويقرر بأن صغير الخير وكبيره وقليله كثير، ويحذر من الخسران بأن يقول من يعرض عليه الخير أن فلاناً من الناس أولى بفعل الخير مني لأنه خسارة للشخص نفسه وتفويتا للفرصة وقد لا تعود مرة أخرى وبدلًا من أن يستفيد الإنسان من فرصة الخير يعطيها لآخر فإنّ للخير والشر أهلا فما تركتموه من الخير أو الشر يقوم به غيركم من الناس. وقد وردت أحاديث كثيرة تدل على ذلك منها عن النبي(صلى الله عليه وآله) قال: «إن الله خلق عبيدًا من خلقه لحوائج الناس يرغبون في المعروف ويعدون الجود مجدًا والله يحب مكارم الأخلاق»[3].

 وفي حديث آخر عنه(صلى الله عليه وآله) قال: «إن لله عبادا يفزع إليهم الناس في حوائجهم أولئك هم الآمنون من عذاب يوم القيامة»[4].

لذلك نرى في كثير من الأحاديث أن الصحابة وحرصاً منهم على العمل الصالح يسألون رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن أفضل الأعمال وعن أحبها إلى الله سبحانه وتعالى لأنّ بعضهم لا يستطيع الإتيان بكل أعمال الخير وفي كل مرة كانت الأجوبة مختلفة وبحسب كل سائل فالدنيا مزرعة للآخرة وما يقوم به الإنسان من خير أو شر في الدنيا يراه في الآخرة (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ)[5].

فإن من العوامل المؤثرة في بث الروح الحماسية للقيام بالمهمات هو: عامل التشجيع والدعم، على أساس أن ليس أحد أحق بالأمر منك، مما يدفع نحو القيام بالمهمة مع الشعور بالأهمية والكفاءة مما يؤثر ـ حت ماً ـ في تحسين الناتج.

ومن الواضح أن دعوة أمير المؤمنين (عليه السلام) تضمنت هذا الأسلوب في الحث فقد بيّن (عليه السلام) أهمية الخير وضرورة إبراز مظاهره الحياتية بمختلف صنوفها، وعدم إهمال أيّ مقدار منه مهما تضائل حجمه التقديري ـ الحسي ـ أو الاعتباري لئلا يُحرم أفراد المجتمع من ذلك الخير.

ثم بيّن(عليه السلام) أن للخير أفراداً كثيرة وصوراً مختلفة لا يمكن حصرها لاتساع الدائرة بحسب الزمان والمكان والأشخاص فيجب أن لا يحتقر صغير الحجم من هذه الأفراد لأنه كبير بمقاس أنه خير، وقد راعى أمير المؤمنين(عليه السلام) التناسب في المقابلة بين الصغير والكبير، وبين القليل والكثير، وهو أمر مهم من الناحية الأدبية، البيانية، الأدائية.

ثم بيّن أمير المؤمنين(عليه السلام) أنه لا ينبغي التواكل في عمل الخير بل لابُد من المبادرة والمسارعة مهما أمكن؛ لأن ذلك فرصة يصعب تعويضها فقد لا تتاح مرة ثانية، وان الإنسان إذا تعود التواكل والاكتفاء بمبادرة الآخرين فسيكونون أولى وأحق منه دائماً لأنه لم يترك الفرصة لنفسه بالعمل ولو مرة واحدة وإنما كان من المتماهلين فحتماً سيتقدم غيره ويتأخر هو ولا يتصور الإنسان أن العمل المطلوب إنجازه إذا لم ينجزه هو تتوقف عجلة الحياة بل هناك الكثير ممن يبحث عنه ويسعى للحظوة به فيتلقف الفرصة بسرعة، وهنا قد تحدًّث الإمام(عليه السلام) بشمول، فأن للخير أهلاً وكذلك للشر فلا بُدَّ للإنسان أن يتباعد عن الشر لئلا يكون من أهله ويترك الأمر لمن سخط الله عليه لأن المهم الإقلاع عن الشر والتقدم نحو الخير الذي هو كل فعل إيجابي لا يضر أحداً بما تكون مقصوداً ـ وإلّا فكل فعلٍ يتصف بموافقته لأحد ومخالفته لآخر ـ  .[6]

مجلة بيوت المتقين العدد (80)

 


[1] شرح نهج البلاغة: ص740.

[2] نهج البلاغة: ص740.

[3] تحف العقول، الحراني: ج1، ص52.

[4] بحار الأنوار العلامة المجلسي: ج74، ص157.

[5] الزلزلة: 7-8 .

[6] أنظر: أخلاق الإمام علي(عليه السلام)، السيد محمد صادق الخرسان: ج1، ص95.