قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)
(اعْقِلُوا الْخَبَرَ إِذَا سَمِعْتُمُوهُ عَقْلَ رِعَايَةٍ لاَ عَقْلَ رِوَايَةٍ، فَإِنَّ رُوَاةَ الْعِلْمِ كَثِيرٌ، وَرُعَاتَهُ قَلِيلٌ)[1].
الدعوة من أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى التأمّل والتدبّر عند نقل الأخبار خصوصاً تلك الواردة عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الكرام (عليه السلام)؛ لأنّ الهدف الأسمى الذي لابد، من السعي نحوه هو الاستفادة العملية من الأخبار لا مجرد الحفظ والترديد، بل مضافاً للحفظ والترديد يكون الاستيعاب والفهم ليكون الناقل واعياً لما ينقله مستفيداً منه معتبراً مما فيه متوقفاً عند المحطات التي تستحق التوقف عندها والتفكّر فيها ليتطبّع على الخير ويتأثر به في مجاله العملي.
وأمّا لو اكتفى الناقل بالحفظ والترديد فيكون حاله حال الأجهزة الصوتية التي تحفظ الصوت وتكرره عند الطلب من دون استيعاب؛ لأنهّا معدَّة أساساً لهذا العرض التوثيقي بينما الإنسان - بما أُعدّ له من تراث إسلامي ضخم - قد هُيئ أن يكون عضواً صالحاً في المجتمع من خلال تأثيره فيمَنْ حواليه من خلال قراءاته ومعلوماته المكتسبة التي تنفعه وتنفع غيره فيرتفع المستوى الثقافي والفكري والديني للمجتمع من خلال هذه البداية البسيطة التي تبتني على الوعي التام لما يقرأه أو يسمعه فينقله ليتعلّم تدريجياً الدقة والالتزام.
ومما يساعدنا على فهم هذه الحكمة أكثر والإيمان بأهميتها وجدواها ما نعايشه في حياتنا اليومية من إخبارات الأشخاص الذين لم يتفهموا الخبر، بل كان نصيبهم الترديد كالببغاء أو المسجّل من دون حساب للنتائج التي يمكن أن تحدث إيجابية أو سلبية.
ومن المؤكد أنّا لا نعتمد على هؤلاء، بل نترك باب الاحتمال مفتوحاً فيمكن صحة الخبر كما يمكن العكس بينما لو كان التثبّت والتفهّم هما الأساس لكان من السهل جداً الاعتماد على إخبارات الأشخاص؛ لأنهّم قد استوعبوا ما نقلوا ووعوه وعياً صحيحاً وعندها فلا مانع.
فلا بدّ أن نسعى لنكون من الرعاة للعلم والحافظين لمحتواه فبذلك يتحسّن حال الناس ولا نكتفي بأن نكون من الرواة للعلم والناقلين لألفاظه، لأنّ ذلك لا يغيّر كثيراً من الواقع إذ لو كان الغرض يتم بالنقل لكان التعبير في الحكمة ب (انقلوا) وليس (اعقلوا) فمن التأكيد على اعقلوا يعلم أهمية التركيز والتفهّم لينشأ جيل علماء ومثقّفين واعين، فيتكامل الناس ويتحسّن وضعهم بعدما كان عدد العلماء دائماً أقلّ من غيرهم بينما عدد غيرهم أكثر فلا حاجة إلى تكثيرها.
ولأجل أهمية هذا الأمر وردت كثير من الأخبار عن بيت العصمة(عليهم السلام) تحثّ على الدراية والتعقّل والتفهّم منها ما جاء عن أمير المؤمنين(عليه السلام) أيضاً: «عليكم بالدرايات لا بالروايات، همّة السفهاء الرواية، وهمّة العلماء الدراية»[2].
وعن الإمام الصادق(عليه السلام): «رواة الكتاب كثير، ورعاته قليل، وكم من مستنصح للحديث مستغش للكتاب، فالعلماء يحزنهم ترك الرعاية، والجهّال يحزنهم حفظ الرواية، فراع يرعى»[3]،[4].
مجلة بيوت المتقين العدد (78)